ديوان عنترة بن شداد
? - 22 ق. هـ / ? - 601 م
عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي.
أشهر فرسان العرب في الجاهلية ومن شعراء الطبقة الأولى. من أهل نجد. أمه حبشية اسمها زبيبة، سرى إليه السواد منها. وكان من أحسن العرب شيمة ومن أعزهم نفساً، يوصف بالحلم على شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة.
كان مغرماً بابنة عمه عبلة فقل أن تخلو له قصيدة من ذكرها. اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء، وعاش طويلاً، وقتله الأسد الرهيص أو جبار بن عمرو الطائي
رمتِ الفؤادَ مليحة ٌ عذراءُ بسهامِ لحظٍ ما لهنَّ دواءُ
مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ
فاغتالني سقمِى الَّذي في باطني أخفيتهُ فأذاعهُ الإخفاءُ
خطرتْ فقلتُ قضيبُ بانٍ حركت أعْطَافَه ُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ
ورنتْ فقلتُ غزالة ٌ مذعورة ٌ قدْ راعهَا وسطَ الفلاة ِ بلاءُ
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَة َ تِمِّهِ قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
بسمتْ فلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغرِها فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ
سَجَدَتْ تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايلَتْ لجلالهِا أربابنا العظماءُ
يَا عَبْلَ مِثْلُ هَواكِ أَوْ أَضْعَافُهُ عندي إذا وقعَ الإياسُ رجاءُ
إن كَانَ يُسْعِدُنِي الزَّمَانُ فإنَّني في هَّمتي لصروفهِ أرزاءُ
مَا دُمْتُ مُرْتَقياً إلى العَلْيَاء حَتَّى بَلَغْتُ إلَى ذُرَى الجَوْزَاءِ
فَهُنَاكَ لا أَلْوِي عَلى مَنْ لاَمَنِي خوْفَ المَمَاتِ وَفُرْقَة ِ الأَحْياءِ
فلأغضبنَّ عواذلي وحواسدي ولأَصْبِرَنَّ عَلى قِلًى وَجَوَاءِ
ولأَجهَدَنَّ عَلى اللِّقَاءِ لِكَيْ أَرَى ما أرتجيهِ أو يحينَ قضائيِ
ولأَحْمِيَنَّ النَّفْسَ عَنْ شهَوَاتِهَا حَتَّى أَرَى ذَا ذِمَّة ٍ وَوَفاءِ
منْ كانَ يجحدني فقدْ برحَ الخفا ما كنتُ أكتمهُ عن الرُّقباءِ
ما ساءني لوني وإسمُ زبيبة ٍ إنْ قَصَّرَتْ عَنْ هِمَّتي أعدَائي
فَلِئنْ بَقيتُ لأَصْنَعَنَّ عَجَائِباً ولأُبْكمنَنَّ بَلاَغَة َ الفُصحَاءِ
لئن أكُ أسوداً فالمسكُ لوني ومَا لِسوادِ جِلدي منْ دواء
وَلَكِنْ تَبْعُدُ الفَحْشاءُ عَني كَبُعْدِ الأَرْضِ عَنْ جوِّ السَّماء
كَمْ يُبْعِدُ الدَّهْرُ مَنْ أَرْجُو أُقارِبُهُ عنِّي ويبعثُ شيطاناً أحاربهُ
فيالهُ من زمانٍ كلَّما انصرفتْ صروفهُ فتكتْ فينا عواقبهُ
دَهْرٌ يرَى الغدْرَ من إحدَى طبَائِعهِ فكيْفَ يَهْنا بهِ حُرٌّ يُصَاحِبُهُ
جَرَّبْتُهُ وَأنا غِرٌّ فَهَذَّبَني منْ بَعْدِما شَيَّبَتْ رَأْسي تجَاربُهُ
وَكيْفَ أخْشى منَ الأَيَّامِ نائِبة ً وَالدَّهْرُ أهْونُ مَا عِنْدي نَوائبُهُ
كم ليلة ٍ سرتُ في البيداءِ منفرداً واللَّيْلُ لِلْغَرْبِ قدْ مالت كوَاكبُهُ
سيفي أنيسي ورمحي كلَّما نهمتْ أسدُ الدِّحالِ إليها مالَ جانبهُ
وَكمْ غدِيرٍ مَزجْتُ الماءَ فيهِ دماً عندَ الصَّباحِ وراحَ الوحش طالبهُ
يا طامعاً في هلاكي عدْ بلا طمعٍ ولا تردْ كأسَ حتفِ أنت شاربهُ
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ
ومن يكنْ عبد قومٍ لا يخالفهمْ إذا جفوهُ ويسترضى إذا عتبوا
قدْ كُنْتُ فِيما مَضَى أَرْعَى جِمَالَهُمُ واليَوْمَ أَحْمي حِمَاهُمْ كلَّما نُكِبُوا
لله دَرُّ بَني عَبْسٍ لَقَدْ نَسَلُوا منَ الأكارمِ ما قد تنسلُ العربُ
لئنْ يعيبوا سوادي فهوَ لي نسبٌ يَوْمَ النِّزَالِ إذا مَا فَاتَني النَسبُ
إن كنت تعلمُ يا نعمانُ أيُّ فتى ً يَلْقى أخاك الَّذِي قَدْ غرَّهُ العُصَبُ
فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحرْبِ مُبْتَسِماً وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُّمْحِ مُخْتَضِبُ
إنْ سلَّ صارمهُ سالتَ مضاربهُ وأَشْرَقَ الجَوُّ وانْشَقَّتْ لَهُ الحُجُبُ
والخَيْلُ تَشْهَدُ لي أَنِّي أُكَفْكِفُهَا والطّعن مثلُ شرارِ النَّار يلتهبُ
إذا التقيتُ الأعادي يومَ معركة ٍ تَركْتُ جَمْعَهُمُ المَغْرُور يُنْتَهَبُ
لي النفوسُ وللطّيرِاللحومُ ولل ـوحْشِ العِظَامُ وَلِلخَيَّالَة ِ السَّلَبُ
لا أبعدَ الله عن عيني غطارفة ً إنْساً إذَا نَزَلُوا جِنَّا إذَا رَكِبُوا
أسودُ غابٍ ولكنْ لا نيوبَ لهم إلاَّ الأَسِنَّة ُ والهِنْدِيَّة ُ القُضْبُ
تعدو بهمْ أعوجيِّاتٌ مضَّمرة ٌ مِثْلُ السَّرَاحِينِ في أعناقها القَببُ
ما زلْتُ ألقى صُدُورَ الخَيْلِ منْدَفِقاً بالطَّعن حتى يضجَّ السَّرجُ واللَّببُ
فا لعميْ لو كانَ في أجفانهمْ نظروا والخُرْسُ لوْ كَانَ في أَفْوَاهِهمْ خَطَبُوا
والنَّقْعُ يَوْمَ طِرَادِ الخَيْل يشْهَدُ لي والضَّرْبُ والطَّعْنُ والأَقْلامُ والكُتُبُ
ألا ياعبلُ قد زادَ التصابيْ ولجَّ اليومَ قومُكِ في عذابي
وظلَّ هواكِ ينمو كلَّ يومٍ كما ينْمو مشيبي في شَبابي
عتبتُ صروفَ دهري فيكِ حتى فَني وأَْبيكِ عُمْري في العِتابِ
وَلاقيْتُ العِدى وحفِظتُ قوْماً أضاعُوني وَلمْ يَرْعَوا جَنابي
سلي يا عبلُ عنَّا يومَ زرنا قبائل عامرٍ وبني كلابِ
وكمْ من فارس خلّيتُ مُلقى خضيب الراحتينِ بلا خضابِ
يحركُ رجلهُ رعباً وفيهِ سنانُ الرُّمح يلمعُ كالشَّهابِ
قتلنا منهمُ مائتين حرَّا وألفاً في الشِّعابِ وفي الهضابِ
سَلا القلبَ عَمّا كان يهْوى ويطْلبُ وأصبحَ لا يشكو ولا يتعتبُ
صحا بعدَ سُكْرٍ وانتخى بعد ذِلَّة ٍ وقلب الذي يهوى ْ العلى يتقلبُ
إلى كمْ أُداري من تريدُ مذلَّتي وأبذل جهدي في رضاها وتغضبُ
عُبيلة ُ! أيامُ الجمالِ قليلة ٌ لها دوْلة ٌ معلومة ٌ ثمَّ تذهبُ
فلا تحْسبي أني على البُعدِ نادمٌ ولا القلبُ في نار الغرام معذَّبُ
وقد قلتُ إنِّي قد سلوتُ عَن الهوى ومَنْ كان مثلي لا يقولُ ويكْذبُ
هَجرتك فامضي حيثُ شئتِ وجرِّبي من الناس غيري فاللبيب يجرِّبُ
لقدْ ذلَّ منْ أمسى على رَبْعِ منْزلٍ ينوحُ على رسمِ الدَّيار ويندبُ
وقدْ فاز منْ في الحرْب أصبح جائلا يُطاعن قِرناً والغبارُ مطنبُ
نَدِيمي رعاكَ الله قُمْ غَنِّ لي على كؤوسِ المنايا مِن دمٍ حينَ أشرَبُ
ولاَ تسقني كأْسَ المدامِ فإنَّها يَضلُّ بها عقلُ الشُّجَاع وَيذهَبُ
يُذبِّبُ وَردٌ على إثره وأمْكنَهُ وَقع مِرد خَشِبْ
تتابعَ لا يبتغى غيرها بأَبيَضَ كالْقبَس الملْتَهبْ
فمنْ يكُ في قتلهِ يمتري فإن أبا نَوْفَلٍ قدْ شَجبْ
وغادرْتُ نضْلة َ في معْرَكٍ يَجُرُّ الأَسِنَّة َ كالمُحْتَطِب
كأَنَّ السرَايا بينَ قَوٍّ وقارة ٍ عصائِبُ طَير ينْتَحينَ لِمشْرَبِ
وقدْ كنْتُ أخشى أنْ أمُوتَ ولم تَقمْ قرائِبُ عمروٍ وسْطَ نَوْحٍ مُسلَّبِ
شَفى النفس منَّي أودَنا منْ شفائِها ترَدَّيهم منْ حالقٍ متصوبِ
تصيح الردينياتُ في حجباتهمْ صياحَ العَوالي في الثقافِ المثقبِ
كتائبُ تزجى فوقَ كلَّ كتيبة ٍ لوَاءٌ كظلِّ الطَّائر المتقلِّبِ
لا تذكري مهري وما أطعمتهُ فيكونُ جلدكِ مثلَ جلدِ الأجربِ
إنَّ الغَبُوقَ لهُ وأنْتِ مسوءَة ٌ فتأَوَّهي ما شئْتِ ثمَّ تحَوَّبي
كذَبَ العَتيقُ وماءُ شنٍّ باردٍ إنْ كُنتِ سائِلَتي غبُوقاً فاذهبي
إنَّ الرِّجالَ لهمْ إليْكِ وسيلَة ٌ إنْ يأْخذوكِ تكحَّلي وتخضَّبي
ويكُونُ مرْكبُكِ القَعُودَ ورَحْلهُ وابنُ النَّعامَة ِ يَوْمَ ذلكَ مَرْكبي
إِنيَّ أحاذرُ أنْ تقولَ ظعينتي هذَا غُبارٌ ساطعٌ فتَلَبَّب
وأنا امْرُؤٌ إنْ يأْخذوني عَنوَة ً أقرنْ إلى شرَّالركابِ وأُجنبِ
حسناتي عند الزَّمانِ ذنوبُ وفعالي مذمة ٌ وعيوبُ
ونصيبي منَ الحبيبِ بعادٌ وَلغيْري الدُّنوُّ منهُ نَصيبُ
كلَّ يوْمٍ يَبْري السِّقامَ محبٌّ منْ حَبيبٍ ومَا لسُقمي طبيبُ
فكأنَّ الزمانَ يهوى حبيباً وكأَنِّي على الزَّمانِ رَقيبُ
إنَّ طَيْفَ الخيالِ يا عبْلَ يَشفي وَيداوي بهِ فؤادي الكئيبُ
وهلاكي في الحبِّ أهوَنُ عندي منْ حياتي إذا جفاني الحبيبُ
يا نسيم الحجازِ لولاكِ تطفي نارُ قلْبي أَذابَ جسْمي اللَّهيبُ
لكَ منِّي إذا تَنفَّستُ حَرٌّ ولرَيَّاكَ منْ عُبيلة َ طيبُ
ولقد ناحَ في الغُصونِ حمامٌ فشجَاني حنينُهُ والنَّحيبُ
باتَ يشكُو فِراقَ إلفٍ بَعيدٍ وَينادِي أَنا الوحيدُ الغريبُ
ياحمامَ الغصونِ لو كنتَ مثلي عاشقاً لم يرُقكَ غُصْنٌ رَطيبُ
فاتركِ الوجدَ والهوى لمحبٍ قلبُهُ قدْ أَذَابَهُ التَّعْذِيبُ
كلُّ يومٍ لهُ عتابٌ معَ الدَّه ـرِ وأَمْرٌ يَحارُ فيهِ اللَّبيبُ
وَبلايا ما تنقضي ورزايا مالها منْ نهاية ٍ وخطوبُ
سائلي يا عبيلَ عني خبيراً وَشُجاعاً قَدْ شيَّبَتهُ الحُرُوبُ
فسينبيكِ أنَّ في حدَّ سيفي ملكُ الموتِ حاضرٌ لا يغيبُ
وسِناني بالدَّارعينَ خَبيرٌ فاسأليهِ عما تَكون القلوبُ
كمْ شُجاعٍ دَنا إليَّ وَنادَى يا لَقَوْمي أَنا الشُّجاعُ المَهيبُ
ما دَعاني إلاَّ مَضى يَكْدِمُ الأَرْ ض وَقَدْ شُقَّتْ عَلَيْهِ الجُيُوبُ
ولسمرِ القَنا إليَّ انتسابٌ وَجَوَادي إذَا دَعاني أُجيبُ
يضحكُ السَّيفُ في يدي وَينادي ولهُ في بنانِ غيري نحيبُ
وهوَ يَحْمي مَعِي على كلِّ قِرْنٍ مثلما للنسيبِ يحمي النسيبُ
فدعوني منْ شربِ كأسِ مدامِ منْ جوارٍ لهنَّ ظرفٌ وطيبُ
وَدَعُوني أَجُرُّ ذَيلَ فخَارٍ عِندَما تُخْجِلُ الجبانَ العُيُوبُ
دَعني أَجِدُّ إلى العَلْيَاءِ في الطَّلبِ وأبلغُ الغاية َ القصوى منَ الرتبِ
لعلَّ عبلة َ تضحى وهيَ راضية ٌ على سوادي وتمحوصورة َ الغضبِ
إذا رَأتْ سائرَ الساداتِ سائرة ً تَزورُ شِعْري برُكْنِ البَيْتِ في رَجبِ
يا عبْلَ قُومي انظُري فِعْلي وَلا تسَلي عني الحسودَ الذي ينبيكِ بالكذبِ
إن أقبلتْ حدقُ الفرسانِ ترمقني وكلُّ مقدام حربٍ مالَ للهربِ
فَما ترَكْتُ لهُمْ وجْهاً لِمُنْهَزمِ ولاّ طريقاً ينجيهم من العطبِ
فبادري وانظري طعناً إذا نظرتْ عينُ الوليدِ إليه شابَ وهو صبيِ
خُلِقْتُ للْحَرْبِ أحميها إذا بَردَتْ وأصطلي نارها في شدَّة اللهبِ
بصَارِمٍ حَيثُما جرَّدْتُهُ سَجَدَتْ له جبابرة ُ الأعجامِ والعربِ
وقدْ طَلَبْتُ منَ العَلْياءِ منزلة ً بصارمي لا بأُمِّي لا ولا بأَبي
فمنْ أجابَ نجا ممَّا يحاذره ومَنْ أَبى طَعمَ الْحَربِ والحَرَبِ
أُعاتِبُ دَهراً لاَ يلِينُ لعاتبِ وأطْلُبُ أَمْناً من صُرُوفِ النَّوائِبِ
وتُوعِدُني الأَيَّامُ وعْداً تَغُرُّني وأعلمُ حقاً أنهُ وعدُ كاذبِ
خَدَمْتُ أُناساً وَاتَّخَذْتُ أقارباً لِعَوْنِي وَلَكِنْ أصْبَحُوا كالعَقارِبِ
يُنادُونني في السِّلم يا بْنَ زَبيبة ٍ وعندَ صدامِ الخيلِ يا ابنَ الأطايبِ
ولولا الهوى ما ذلَّ مثلي لمثلهم ولا خَضعتْ أُسدُ الفَلا للثَّعالبِ
ستذكرني قومي إذا الخيلُ أصبحتْ تجولُ بها الفرسانُ بينَ المضاربِ
فإنْ هُمْ نَسَوْني فالصَّوَارمُ والقَنا تذكرهمْ فعلي ووقعَ مضاربيِ
فيَا لَيْتَ أَنَّ الدَّهْرَ يُدني أَحبَّتي إليَّ كما يدني إليَّ مصائبيِ
ولَيْتَ خيالاً مِنكِ يا عبلَ طارقاً يرى فيضَ جفني بالدموعِ السواكبِ
سأَصْبِرُ حَتَّى تَطَّرِحْني عَواذِلي وحتى يضجَّ الصبرُ بين جوانبيِ
مقامكِ في جوِّ السماء مكانهُ وَباعِي قَصيرٌ عَنْ نوالِ الكَواكِبِ
وغَداة َ صَبَّحْنَ الجِفارَ عوابساً يَهْدي أوَائِلَهُنَّ شُعْثٌ شُزَّب
إذا قنعَ الفتى بذميمِ عيشِ وَكانَ وَراءَ سَجْفٍ كالبَنات
وَلمْ يَهْجُمْ على أُسْدِ المنَايا وَلمْ يَطْعَنْ صُدُورَ الصَّافِنات
ولم يقرِ الضيوفَ إذا أتوهُ وَلَمْ يُرْوِ السُّيُوفَ منَ الكُماة ِ
ولمْ يبلغْ بضربِ الهامِ مجداً ولمْ يكُ صابراً في النائباتِ
فَقُلْ للنَّاعياتِ إذا بكَتهُ أَلا فاقْصِرْنَ نَدْبَ النَّادِباتِ
ولا تندبنَ إلاَّ ليثَ غابٍ شُجاعاً في الحُروبِ الثَّائِراتِ
دَعوني في القتال أمُت عزيزاً فَموْتُ العِزِّ خَيرٌ من حَياتي
لعمري ما الفخارُ بكسْب مالٍ ولا يُدْعى الغَنيُّ منَ السُّرَاة ِ
ستذكُرني المعامعُ كلَّ وقتٍ على طُولِ الحياة ِ إلى المَمات
فذاكَ الذِّكْرُ يبْقى لَيْسَ يَفْنى مَدى الأَيَّام في ماضٍ وآت
وإني اليومَ أَحمي عِرْضَ قومي وأَنْصُرُ آلَ عَبْسَ على العُدَاة ِ
وآخذُ مَالنا منْهُمُ بحَرْبٍ تَخِرُّ لها مُتُونُ الرَّاسيَاتِ
وأَتْرُكُ كلَّ نائِحَة ٍ تُنادي عليهم بالتفرقِ والشتاتِ
سكتُّ فَغَرَّ أعْدَائي السُّكوتُ وَظنُّوني لأَهلي قَدْ نسِيتُ
وكيفَ أنامُ عنْ ساداتِ قومٍ أنا في فَضْلِ نِعْمتِهمْ رُبيت
وإنْ دارْتْ بِهِمْ خَيْلُ الأَعادي ونَادوني أجَبْتُ متى دُعِيتُ
بسيفٍ حدهُ موجُ المنايا وَرُمحٍ صَدْرُهُ الحَتْفُ المُميتُ
خلقتُ من الحديدِ أشدَّ قلباً وقد بليَ الحديدُ ومابليتُ
وَإني قَدْ شَربْتُ دَمَ الأَعادي بأقحافِ الرُّؤوس وَما رَويتُ
وفي الحَرْبِ العَوانِ وُلِدْتُ طِفْلا ومِنْ لبَنِ المَعامِعِ قَدْ سُقِيتُ
فما للرمحِ في جسمي نصيبٌ ولا للسيفِ في أعضاي َقوتُ
ولي بيتٌ علا فلكَ الثريَّا تَخِرُّ لِعُظْمِ هَيْبَتِهِ البُيوتُ
أشاقكَ مِنْ عَبلَ الخَيالُ المُبَهَّجُ فقلبكَ فيه لاعجٌ يتوهجُ
فقَدْتَ التي بانَتْ فبتَّ مُعذَّبا وتلكَ احتواها عنكَ للبينِ هودجُ
كأَنَّ فُؤَادي يوْمَ قُمتُ مُوَدِّعاً عُبَيْلَة مني هاربٌ يَتَمعَّج
خَليلَيَّ ما أَنساكُمَا بَلْ فِدَاكُمَا أبي وَأَبُوها أَيْنَ أَيْنَ المعَرَّجُ
ألمَّا بماء الدُّحرضين فكلما دِيارَ الَّتي في حُبِّها بتُّ أَلهَجُ
دِيارٌ لذَت الخِدْرِ عَبْلة َ أصبحتْ بها الأربعُ الهوجُ العواصِف ترهجُ
ألا هلْ ترى إن شطَّ عني مزارها وأزعجها عن أهلها الآنَ مزعجُ
فهل تبلغني دارها شدنية ٌ هملعة ٌ بينَ القفارِ تهملجُ
تُريكَ إذا وَلَّتْ سَناماً وكاهِلاً وإنْ أَقْبَلَتْ صَدْراً لها يترَجْرج
عُبيلة ُ هذا دُرُّ نظْمٍ نظمْتُهُ وأنتِ لهُ سلكٌ وحسنٌ ومنهجُ
وَقَدْ سِرْتُ يا بنْتَ الكِرام مُبادِراً وتحتيَ مهريٌ من الإبل أهوجُ
بأَرْضٍ ترَدَّى الماءُ في هَضَباتِها فأَصْبَحَ فِيهَا نَبْتُها يَتَوَهَّجُ
وأَوْرَقَ فيها الآسُ والضَّالُ والغضا ونبقٌ ونسرينٌ ووردٌ وعوسجُ
لئِنْ أَضْحتِ الأَطْلالُ مِنها خَوالياً كأَنْ لَمْ يَكُنْ فيها من العيش مِبْهجُ
فيا طالما مازحتُ فيها عبيلة ً ومازحني فيها الغزالُ المغنجُ
أغنُّ مليحُ الدلَّ أحورُ أَكحلٌ أزجُّ نقيٌ الخدَّ أبلجُ أدعجُ
لهُ حاجِبٌ كالنُّونِ فوْقَ جُفُونِهِ وَثَغْرٌ كزَهرِ الأُقْحُوَانِ مُفَلَّجُ
وردْفٌ له ثِقْلٌ وَقدٌّ مُهَفْهَفُ وخدٌّ به وَرْدٌ وساقٌ خَدَلَّجُ
وبطنٌ كطيِّ السابرية ِ لينٌ أقبّ لطيفٌ ضامرُ الكشح أنعجُ
لهوتُ بها والليلُ أرخى سدولهُ إلى أَنْ بَدا ضَوْءُ الصَّباح المُبلَّجُ
أراعي نجومَ الليلُ وهي كأنها قواريرُ فيها زئبق يترجرجُ
وتحتي منها ساعدٌ فيه دملجٌ مُضِيءٌ وَفَوْقي آخرٌ فيه دُمْلجُ
وإخوانُ صدق صادقينَ صحبتهمْ على غارة ً من مثلها الخيلُ تسرجُ
تَطوفُ عَلَيْهمْ خَنْدَرِيسٌ مُدَامَة ٌ تَرَى حَبَباً مِنْ فَوْقِها حينَ تُمزَجُ
ألا إنَّها نِعْمَ الدَّواءُ لشاربٍ أَلا فاسْقِنِيها قَبْلما أَنْتَ تَخْرُج
فنضحيْ سكارى والمدامُ مصفَّف يدار علينا والطعامُ المطبهجُ
وما راعني يومَ الطعانِ دهاقهُ إليَ مثلٍ منْ بالزعفرانِ نضرِّجُ
فأقبلَ منقضَّاعليَّ بحلقهِ يقرِّبُ أحياناً وحيناً يهملجُ
فلمَّا دنا مِني قَطَعْتُ وَتِينَهُ بحدِّ حسامٍ صارمٍ يتفلجُ
كأنَّ دماءَ الفرسِ حين تحادرتْ خلوقُ العذارى أو خباءُ مدبجُ
فويلٌ لكسرى إنْ حللتُ بأرضهِ وويلٌ لجيشِ الفرسِ حين أعجعجُ
وأحملُ فيهمْ حملة ً عنترية ً أرُدُّ بها الأَبطالَ في القَفْر تُنبُجُ
وأصدمُ كبش القوم ثمَّ أذيقهُ مرارَة َ كأْسِ الموتِ صبْراً يُمَجَّجُ
وآخُذُ ثأرَ النّدْبِ سيِّدِ قومِهِ وأضرُمها في الحربِ ناراً تؤجَّجُ
وإني لحمالٌ لكلِّ ملمة ٍ تَخِرُّ لها شُمُّ الجبالِ وَتُزْعَجُ
وإني لأحمي الجارَ منْ كلّ ذلة ٍ وأَفرَحُ بالضَّيفِ المُقيمِ وأَبهجُ
وأحمي حمى قومي على طول مدَّتي الى أنْ يروني في اللفائفِ أدرجُ
فدُونَكُمُ يا آلَ عَبسٍ قصيدة ً يلوحُ لها ضوْءٌ منَ الصُّبْح أبلَجُ
ألا إنها خيرُ القصائدِ كلها يُفصَّل منها كلُّ ثوبٍ وينسجُ
لمن الشموسُ عزيزة َ الأحداج يطلعنَ بينَ الوشيِ والديباجِ
منْ كلّ فائقة ِ الجمال كدمية ٍ من لؤْلُؤٍ قدْ صُوِّرَتْ في عاج
تمشي وَتُرفِلُ في الثِّيابِ كأَنَّها غصنٌ ترنحً في نقاً رجاجِ
حفَّتْ بهن مَناصلٌ وذَوابلٌ ومشتْ بهنَّ ذواملٌ ونواجِ
فيهن هيفاءُ القوام كأنها فُلكٌ مُشرَّعة ٌ على الأَمواج
خطفَ الظلامُ كسارقٍ من شعرها فكأَنَّما قرَنَ الدُّجى بدَياجي
ابصرتُ ثمَّ هويتُ ثمَّ كتمتُ ما أَلقى وَلمْ يَعْلَمْ بذَاكَ مُناجي
فوَصلْتُ ثمَّ قَدَرْتُ ثمَّ عَفَفْتُ من شرَفٍ تناهى بي إلى الإنضاج
أُعاتبُ دَهراً لا يَلينُ لناصِح وأخفي الجوى في القلب والدَّمعُ فاضحى
وَقَومي معَ الأَيَّام عَوْنٌ على دَمي وَقَدْ طلَبوني بالقَنا والصَّفائِحِ
وقد أبعدوني عن حبيبٍ احبُّه فأصبحتُ في قفرٍ عن الانس نازح
وقد هانَ عندي بذلُ نفسٍ عزيزة ٍ ولو فارقتني ما بكتها جوارحي
وأَيسَرُ منْ كَفِّي إذَا ما مَددْتُها لَنَيْل عَطَاءٍ مَدُّ عُنْقي لذَابح
فيا رَبُّ لا تجْعلْ حَياتي مَذَمَّة ً ولا مَوْتتي بين النِّساءِ النَّوائِحِ
ولكن قَتيلاً يَدْرُجُ الطَّيرُ حوْلَهُ وتشربُ غربانُ الفلا من جوانحي
إذا لاقَيْتَ جمْعَ بني أبانٍ فإني لائمٌ للجعد لاح
كأنَّ مؤشر العضدين حجلاً هَدُوجاً بين أَقلبة ٍ مِلاَح
تضَمَّنَ نعْمتي فغدا عليها بُكُوراً أَوْ تَعَجَّلَ في الرَّواح
ألمْ تعلمْ لحاكَ الله أنيّ أجَمُّ إذَا لَقيتُ ذوي الرِّماح
كسوتُ الجعدَ جعد بني أبانٍ سِلاحيَ بعْد عُرْيٍ وافتِضاح
طربتَ وهاجتكَ الظباءُ السوانح غداة َ غدت منها سنيحٌ وبارح
تغالتْ بي الأشواقُ حتى كأنما بزندينِ في جوفي منَ الوجدِ قادح
وقد كنتَ تخفي حبّ سمراءَ حقبة ً فَبُحْ لانَ منها بالذي أَنْتَ بائحُ
لعَمْري لقد أُعذِرْتُ لو تَعذِرينني وخشنت صدراً غيبهُ لك ناصحُ
أعاذل كمْ من يوم حربٍ شهدتهُ له مَنْظرٌ بادي النَّواجذِ كالحُ
فلم أرَ حياً صابروا مثل صبرنا ولا كافحوا مثلَ الذينَ نُكافحُ
إذا شِئتُ لاقاني كَميُّ مُدَجَّجٌ على اعوجيّ بالطعانِ مسامحُ
نُزاحِفُ زَحفاً أَو نلاقي كَتيبَة ً تُطاعِنُنا أَو يذَعرُ السَّرحَ صائحُ
فَلمَّا التَقينا بالجِفار تصَعصَعوا وردَّت على أعقابهنَّ المسالح
وسارتْ رجالٌ نحو أخرى عليهم الح ديدُ كما تمشي الجمالُ الدوالحُ
إذا ما مَشوا في السَّابغاتِ حَسبتُهُمْ سيولاً وقد جاشتْ بهن الأباطحُ
فأشرعَ راياتٌ وتحت ظلالها من القوْم أبْناءُ الحروبِ المراجحُ
ودُرْنا كما دارَتْ على قطبها الرَّحى ودَارَتْ على هام الرِّجال الصَّفائحُ
بهاجرة ٍ حتَّى تغَّيبَ نورها وأقبل ليلٌ يقبضُ الطَّرف سائحُ
تداعى بنو عبسٍ بكلِّ مهنَّدٍ حُسامٍ يُزيلُ الهامَ والصَّفُّ جانحُ
وكلُّ رُدَيْنيٍّ كأنَّ سِنانَهُ شهابٌ بدَا في ظُلمَة ِ اللَّيْل وَاضحُ
فخلُّوا لنا عُوذَ النِّساءِ وَجبَّبُوا عباديدَ منهم مُستَقيمٌ وجَامحُ
وكلَّ كعوبٍ خدلة السَّاق فخمة ٍ لها مَنْبتٌ في آلِ ضَبَّة طامحُ
تركنا ضراراً بين عانٍ مكبَّل وبين قَتيلٍ غاب عنهُ النَّوَائحُ
وعمْراً وَحيَّاناً ترَكْنا بقَفْرَة ٍ تعودهما فيها الضّباعُ الكوالح
يجرِّرْنَ هاماً فلَّقتها رِماحُنا تزيَّل منهنَّ اللحى والمسايح
نحا فارسُ الشهباءِ والخيلُ جنحُ على فارسٍ بين الأسِنَّة ِ مُقْصَدِ
ولولا يدٌ نالَتْهُ مِنَّا لأَصْبَحَتْ سِباعٌ تهادَى شِلْوَهُ غيرَ مُسْنَدَ
فلا تَكْفُر النّعْمى وأثْن بفَضلِها ولا تأمننْ مايحدثُ الله في غدِ
فإنْ يَكُ عبدُ الله لاقى فوَارساً يردُّون خالَ العارض المتوقدِ
فقدْ أمكَنَتْ مِنْكَ الأَسِنَّة ُ عانياً فلم تجز إذ تسعى قتيلاً بمعبد
هدُّيكم خيرٌ أباً من أبيكم أعفُّ وأوفى بالجوار وأحمدُ
وأطعنُ في الهيجا إذا الخيلُ صدَّها غداة الصَّباح السَّمْهَريُّ المُقَصَّدُ
فَهلاَّ وفي الغَوْغاءِ عمْرو بن جابرٍ بذمَّتِهِ وابنُ اللَّقيطَة ِ عِصْيَدُ
سيأتيكم عنيّ وإن كنتُ نائياً دُخانُ العَلَنْدي دونَ بَيْتيَ مِذْوَدُ
قصائِدُ منْ قِيلِ امرىء ٍ يَحْتَذِيكُمُ بني العشراءِ فارتدوا وتقلدوُا
تركتُ بني الهجيمْ لهمْ دوارٌ إذا تمضي جماعتهمْ تعودُ
تركتُ جريَّة َ العمريَّ فيهِ سَديدُ العيرِ مُعْتدلٌ شَديدُ
فإنْ يبْرَأْ فلم أنْفِثْ عليهِ وإنْ يُفْقَدْ فَحُقَّ لهُ الفُقُود
وهلْ يدري جرية ُ أنَّ نبلي يكونُ جفيرهُا البطلُ النجيدُ
إذا وَقَعَ الرِّماحُ بمَنْكِبَيْه تولَّى قابعاً فيهِ صدودُ
كأَنَّ رماحَهُم أشْطانُ بئْرٍ لها في كلَّ مدلجة ِ خدودُ
وَلَلمَوتُ خيرٌ للفَتى من حياتِهِ إذا لمْ يثِبْ للأَمر إلاَّ بقائدِ
فعالجْ جسيمات الأمور ولا تكنْ هبيتَ الفؤادِ همة ً للسوائدِ
إذا الرِّيحُ جاءَتْ بالجَهام تَشُّلهُ هذا ليله مثلُ القلاص الطرائدِ
وأعقَبَ نَوْءُ المُدْبرينَ بغبرَة ٍ وَقطْرٍ قليلِ الماءِ باللَّيْل بارد
كفى حاجة ََ الأضيافِ حتى يريحها على الحيَّ منا كلُّ أروعَ ماجدِ
تراهُ بتفريج الأمور ولفهّا لما نالَ من معروفها غيرَ زاهدِ
ولَيْسَ أخونا عِندَ شَرٍّ يخافُهُ ولا عندَ خَيْرٍ إنْ رجاهُ بواحدِ
إذا قيلَ منْ للمعضلاتِ أجابهُ عظامُ اللهى منَّا طوالُ السَّواعدِ
إذا جحدَ الجميلَ بنو قرادٍ وجازَى بالقَبيح بَنو زيادِ
فَهُمْ ساداتُ عَبْسٍ أيْنَ حَلُّوا كما زعمُوا وفَرْسانُ البلادِ
وَلا عَيْبٌ عليَّ ولا مَلامٌ إذا أصلحتُ حالي بالفسادِ
فإنَّ النارَ تضرمُ في جمادٍ إذا ما الصخرُ كرَّ على الزنادِ
ويُرْجَى الوصْلُ بعدَ الهَجْر حيناً كما يرجى الدنوُّ منَ البعادِ
حَلُمْتُ فما عَرَفتُمْ حقَّ حِلمي ولا ذكرَتْ عشيرَتكُمْ ودادي
سأَجْهلُ بعدَ هذا الحلم حتى أُريقَ دَمَ الحواضِر والبَوادي
ويشكوا السيفُ منْ كفي ملالاً ويسأمُ عاتقي حملَ النجادِ
وقد شاهدتمُ في يومْ طيَّ فعالي بالمهندة ِ الحدادِ
رَدَدتُ الخَيْلَ خاليَة ً حَيارَى وسُقْتُ جيادَها والسَّيفُ حادِي
ولو أنّ السنانَ لهُ لسانُ حكَى كَمْ شكَّ دِرْعاً بالفُؤَاد
وكم داع ِدعا في الحرب باسمي وناداني فَخُضتُ حَشا المنادي
يردُ جوابهُ قولاً وفعلاً ببيضِ الهند والسُّمرِ الصعادِ
فكن ياعمرو منه على حذارِ ولا تملأْ جفُونَكَ بالرُّقاد
ولولا سيدٌ فينا مطاعٌ عظيم القدر مرتفعُ العمادِ
أقمتُ الحقَّ في الهنديَّ رغماً وأظهَرْتُ الضَّلال منَ الرَّشاد
أرضُ الشَّرَبَّة ِ شِعْبٌ ووادي رَحَلْتُ وأهلْها في فُؤَادي
يحلُّون فيهِ وفي ناظري وإنْ أبْعدوا في مَحَلّ السَّواد
إذَا خَفَقَ البرْقُ منْ حيِّهم أرقتُ وبتّ ُحليفَ السهاد
وريحُ الخُزَامى يُذَكِّرُ أنْفي نَسيمع عَذَارَى وذَاتَ الأَيادي
أيا عبلُ مني بطيفِ الخيالِ على المُستَهَامِ وطِيبِ الرُّقادِ
عسى نَظْرَة ٌ مِنْكِ تحيا بها حُشاشَة ُ مَيْتِ الجفا والبِعادِ
وحقَك لا زالَ ظهْر الجواد مقيلي وسيفي ودرعي وسادي
إلى أنْ أدوسَ بلادَ العراق وأَفني حواضِرَها والبَوادي
إذا قامَ سوقٌ لبَيعِ النفوسِ ونادى وأعلنَ فيها المنادي
وأقبلتِ الخيلُ تحتَ الغبار بوَقْعِ الرِّماحِ وضَرْبِ الحداد
هنالكَ أصدمُ فرسانها فترْجع مخْذولة ً كالعِماد
وأرجعُ والنوق موقورة ٌ تَسيرُ الهُوَيْنَا وَشَيْبُوبُ حادي
وتَسْهَرُ لي أعينُ الحاسدينَ وترقدُ أعينُ أهل الوداد
ألا مَنْ مُبْلغٌ أهلَ الجُحُود مَقالَ فتى ً وَفيٍّ بالعُهُود
سأخرجُ للبرازِ خلى َّ بالِ بقَلبٍ قُدَّ منْ زُبَرِ الحديدِ
وأطعنُ بالقنا حتى يراني عَدوي كالشرارة ِ من بعيد
إذا ما الحربُ دارتْ لي رَحاها وطاب المَوْتُ للرَّجُلِ الشَّدِيد
تَرَى بيضاً تَشَعْشَعُ في لَظاها قد التصقت بأعضادِ الزنود
فأقحمُها ولكن معْ رجالٍ كأَنَّ قلوبها حَجَرُ الصَّعيد
وَخَيْلٍ عُوِّدتْ خَوْضَ المنايا تُشَيِّبُ مَفْرِقَ الطفْلِ الوليدِ
سأَحمِلُ بالأُسودِ على أسودٍ وأخْضِبُ ساعدي بدمِ الأُسود
بمَمْلكَة ٍ عليها تَاج عِزٍّ وَقَوْمٍ من بني عَبْسٍ شُهود
فأَما القائلونَ هزبرُ قومٍ فَذَاكَ الفَخرُ لا شَرَفُ الجدود
وأمَّا القائِلونَ قَتيلُ طَعْنٍ فذلك مصرع البطل الجليد
صحا مِنْ بعْدِ سكرته فؤَادي وعاود مقْلتي طِيبُ الرُّقاد
وأصبح من يعاندني ذليلا كَثيرَ الهَمّ لا يَفْدِيهِ فادي
يرى في نومهِ فتكات سيفي فَيَشْكُو ما يَرَاهُ إلى الوِسادِ
ألا ياعبل قد عاينتِ فعلي وبانَ لكِ الضلالُ من الرَّشاد
وإنْ أبْصَرْتِ مِثْلِي فاهْجُريني ولا يَلْحَقْكِ عارٌ مِنْ سَوادي
وإلاَّ فاذكري طَعني وَضَربي إذا ما لَجّ قَوْمُك في بِعادي
طَرَقْتُ ديار كِنْدَة َ وهي تدْوي دويَّ الرعدِ منْ ركضِ الجياد
وبَدَّدْتُ الفَوارِسَ في رُباها بطعنٍ مثلِ أفواه المزادِ
وَخَثْعَمُ قد صَبَحْناها صَباحاً بُكُوراً قَبْلَ ما نادى المُنادي
غدوا لما رأوا من حد سيفي نذير الموت في الأرواحِ حاد
وعُدْنا بالنّهابِ وبالسَّرايا وبالأَسرَى تُكَبَّلُ بالصَّفاد
ألا يا عبل ضيعتِ العُهودا وأمسَى حبكِ الماضي صُدُودا
وما زالَ الشبابُ ولا اكتهلنا ولا أبْلى الزَّمانُ لنا جديدا
وما زالتْ صوارمنا حداداً تَقُدُّ بها أنامِلُنا الحديدا
سَلي عنَّا الفزاريّينَ لمَّا شَفَيْنَا مِنْ فَوَارسها الكُبُودا
وخلينا نسائهمُ حيارى قُبَيْلَ الصُّبْحِ يَلْطِمْنَ الخُدُودا
مَلأْنا سائِرَ الأَقطار خَوْفاً فأضحى العالمونَ لنا عبيدا
وجاوزنا الثريا في علاها ولم نَتْرُك لقَاصِدَنا وَفُودا
إذا بَلَغَ الفِطامَ لنا صبيٌّ تَخِرُّ لهُ أعاديَنا سُجُودا
فمن يقصدْ بداهية ٍ الينا يرى منا جبابرة ً أسودا
ويَوْمَ البَذْلِ نعْطي ما مَلَكْنا ونملا الأرضَ إحسانا وجودا
وننعلُ خيلنا في كلَّ حربٍ عِظاماً دامياتٍ أَوْ جلُودا
فَهَلْ مَنْ يُبْلغ النُّعْمانَ عنَّا مَقالاً سَوْفَ يَبْلغهُ رشيدا
إذا عادتْ بَنو الأَعْجام تَهوي وقد وَلَّتْ ونَكَّسَت البنُودا
أُعادي صَرْفَ دَهْرٍ لا يُعادى وأحتملُ القطيعة والبعادا
وأظهرُ نُصْحَ قَوْمٍ ضَيَّعُوني وإنْ خانَت قُلُوبُهُمُ الودَادا
أعللُ بالمنى قلبا عليلا وبالصبر الجميلِ وان تمادى
تُعيّرني العِدى بِسوادِ جلْدي وبيض خصائلي تمحو السَّوادا
سلي يا عبلَ قومك عنْ فعالي ومَنْ حضَرَ الوقيعَة َ والطّرادا
وردتُ الحربَ والأبطالُ حولي تَهُزُّ أكُفُّها السُّمْرَ الصّعادا
وخُضْتُ بمهْجتي بحْرَ المَنايا ونارُ الحربِ تتقدُ اتقادا
وعدتُّ مخضباً بدَم الأعادي وكَربُ الرَّكض قد خضَبَ الجودا
وكمْ خلفتُ منْ بكرٍ رداحٍ بصَوْتِ نُواحِها تُشْجي الفُؤَادا
وسَيفي مُرْهَفُ الحدَّينِ ماضٍ تَقُدُّ شِفارُهُ الصَّخْرَ الجَمادا
ورُمحي ما طعنْتُ به طَعيناً فعادَ بعينيهِ نظرَ الرشادا
ولولا صارمي وسنانُ رمحي لما رَفَعَتْ بنُو عَبْسٍ عمادا
لأَيِّ حَبيبٍ يَحْسُنُ الرَّأْيُ والوُدُّ وأكثرُ هذا الناسِ ليس لهم عهدُ
أريدُ منَ الأَيَّامِ ما لا يَضُرُّها فهل دافعٌ عنيَّ نوائبها الجهد
وما هذهِ الدنيا لَنا بمطيعة ٍ وليسَ لخلقٍ من مداراتها بدُ
تَكونُ المَواليَ والعبيدُ لعاجزٍ ويخدم فيها نفسهُ البطلُ الفردُ
وكل قريبٍ لي بعيدُ مودة ٍ وكلّ صديقٍ بين أضلعهِ حقدُ
فللهَ قلبٌ لا يبلُّ عليلهُ وِصالٌ ولا يُلْهِيهِ من حَلّهِ عَقْدُ
يكلّفني أن أطْلُبَ العِزِّ بالقنا وأيْنَ العُلا إنْ لم يُسَاعِدنيَ الجدُّ
أُحِبُّ كما يَهْواهُ رُمحي وَصارمي وَسابغة ٌ زغْفٌ وسابغة ٌ نَهْدُ
فيالكَ منْ قلبٍ توقدَ في الحشا ويالكَ منْ دمعٍ غزيرٍ له مدُّ
وإنْ تظهرِ الأيامُ كلَّ عظيمة ٍ فلي بين أضلاعي لها أسدٌ وردُ
إذا كان لا يمضي الحسامُ ينفسهِ فللضاربِ الماضي بقائمهِ حدُ
وحَوْلي منْ دُونِ الأَنامِ عِصابة ٌ توددها يخفي وأضغانها تبدو
يَسُرُّ الفتى دهْرٌ وقد كانَ ساءَهُ وتَخْدُمُهُ الأَيَّامُ وهو لها عَبْدُ
ولا مالَ إلاّ ما أَفادكَ نَيْلُهُ ثناءٌ ولا مالٌ لمنْ لاله مجدُ
ولا عاشَ إلا منْ يصاحبُ فتية ٌ غَطاريفَ لا يَعْنيهمُ النَّحْسُ والسَّعد
إذا طلبوا إلى الغزو شمروا وإن نُدِبُوا يوْماً إلى غَارَة ٍ جَدّوا
ألاليت شعري هل تبلغني المنى وتلقى بي الأعداء سابحة ٌ تعدو
جوادٌ اذا شقَّ المحافلَ صدرهُ يَرُوحُ إلى ظُعْنِ القَبائلِ أو يغْدو
خفيت على إثر الطريدة ِ في الفلا إذا هاجَتِ الرَّمْضاءُ واختَلَفَ الطَّرْدُ
وَيَصْحُبني من آلِ عَبْسٍ عِصابة ٌ لها شرفٌ بين القبائل يمتد
بَهاليلُ مثلُ الأُسدِ في كلِّ مَوْطِنٍ كأنَّ دمَ الأعداءِ في فمهمْ شهدُ
جازتْ ملماتُ الزَّمانِ حدودها واسْتَفْرغَتْ أيَّامُها مجهُودَها
وقضت علينا بالمنونِ فعوَّضتْ بالكرهِ منْ بيضِ الليالي سُودها
بالله ما بالُ الأَحبَّة ِ أعْرضَتْ عنَّا ورامتْ بالفراقِ صُدودها
رضيتُ مصاحبة َ البلى واستوطنتْ بَعْد البُيُوتِ قُبُورَها ولحُودها
حرصتْ على طولِ البقاءِ وإنما مبدي النفوس أبادها ليعيدَها
عبثتْ بها الأيامُ حتى أوثقت أيدي البِلى تحْتَ التُّرابِ قيودها
فكأنما تلكُ الجسومُ صوارمٌ تحت الحمامِ من اللحودِ غمودها
نَسَجَتْ يَدُ الأَيّامِ منْ أكْفانَها حللاً وألقتْ بينهنّ عقودها
وكسا الرّبيعُ رُبُوعَهَا أَنْوَارَهُ لما سقتها الغادياتُ عهودها
وسرى بها نشرُ النسيم فعطرتْ نفحاتُ أرواحِ الشَّمالِ صَعيدَها
هل عيشة ٌ طابَتْ لنا إلاّ وقد أبْلى الزَّمانُ قديمَها وجديدَها
أو مقلة ٌ ذاقت كراها ليلة ً إلاّ وأعقبتِ الخطوبُ هُجُودَها
أو بنية ٌ للمجدِ شيدَ أساسها إلاّ وقد هَدَمَ القضاءُ وطيدَها
شقّتْ على العَليا وفاة ُ كريمة ٍ شقّتْ عليها المكْرماتُ بُرُودها
وعزيزَة ٍ مفْقودة ٍ قد هوَّنتْ مُهَجُ النّوافلِ بعدها مفقُودَها
ماتتْ ووُسِّدَتِ الفَلاَة َ قتيلة ً يا لهْفَ نفسِي إذْ رأتْ توْسيدَها
يا قيْسُ إنّ صدُورَنا وَقَدتْ بها نارٌ بأَضْلُعنا تَشُبُّ وقودَها
فانهضْ لأخذِ الثاّر غير مقصِّر حتى تُبيد من العداة ِ عديدها
إذا فاضَ دمعي واستهلّ على خدِّي وجاذبني شوقي إلى العلم السّعدي
أذكر قومي ظلمهم لي وبغيهم وقلة َ إنصافي على القربِ والبعدِ
بَنَيْتُ لهمْ بالسَّيفِ مجْداً مُشيّداً فلّما تناهى مجدهمْ هدموا مجدي
يعيبونَ لوني بالسواد وإنما فعالهم بالخبث أسودُ من جلدي
فواذلّ جيراني إذا غبتُ عنهمُ وطالَ المدَى ماذا يلاقونَ من بَعدي
أَتحْسبُ قَيْسٌ أنَّني بعد طردِهمْ أخافُ الأعادي أو أذلَُ من الطَّردِ
وكيفَ يحلَُ الذُلّ قلبي وصارمي إذا اهتزَّ قَلْبُ الضَّدِّ يخْفِقُ كالرَّعْد
متى سلّ في كفِّي بيوم كريهة فلا فَرْقَ ما بيْنَ المشايخ والمُرْدِ
وما الفخرٌ إلاّ أنْ تكونَ عمامتي مكوّرة َ الأطرافِ بالصّارم الهندي
نديميّ إمّا غبتما بعد سكرة ٍ فلا تذكرا أطلالَ سلمى ولاهندِ
ولا تَذْكرا لي غيرَ خَيلٍ مُغيرة ٍ ونقعْ غبارٍ حالك اللّون مسودّ
فإنّ غبارَ الصّافِنات إذا علا نشقتُ لهُ ريحاً ألذَّ منَ النّدّ
وريحانتي رمحي وكاساتُ مجلسي جماجمُ ساداتِ حراصٍ على المجد
ولي منْ حسامي كلّ يوْمٍ على الثَرى نقوشُ دمٍ تغني النَّدامى عن الوردِ
وليْسَ يَعيبُ السَّيفَ إخلاقُ غِمْدِه إذا كانَ في يوم الوغى قاطع الحدّ
فلِلَّهِ دَرِّي كمْ غُبارٍ قطَعْتُهُ على ضامر الجنبين معتدلِ القدّ
وطاعنتُ عنه الخيل حتى تبّددت هزاماً كأسرابِ القطاءِ إلى الوردِ
فزَارة ُ قد هيَجتُم لَيثَ غابة ٍ ولم تفرقوا بين الضلالة ِ والرُّشدِ
فقولوا لِحصْنٍ إنْ تَعانَى عدَاوَتي يبيتُ على نارٍ من الحزنِ والوجدِ
فخْرُ الرِّجالِ سلاسلٌ وَقيُودُ وكذا النساءُ بخانقٌ وعقودُ
سُكْري بهِ لا ما جنى العُنْقودُ
يادهرُ لا تبق عليَّ فقد دنا ما كنتُ أطلبُ قبلَ ذا وأريد
فالقتْلُ لي من بعد عبْلة َ راحَة ٌ والعَيشُ بعد فِراقها منكُودُ
يا عبْلَ! قدْ دنتِ المَنيّة ُ فاندُبي
يا عبلَ! إنْ تَبكي عليَّ فقد بكى صَرْفُ الزَّمانِ عليَّ وهُوَ حَسُودُ
يا عبلَ! إنْ سَفكوا دمي فَفَعائلي في كل يومٍ ذكرهنّ جديد
تَدْعينَ عنْترَ وهوَ عنكِ بعيدُ
ولقد لقيتُ الفُرْسَ يا ابْنَة َ مالكِ وجيوشها قد ضاق عنها البيد
وتموجُ موجَ البحرِ إلا أنَّها لاقتْ أسوداً فوقهنَّ حديد
جاروا فَحَكَّمْنا الصَّوارمَ بيْننا فقَضتْ وأَطرافُ الرماحِ شُهُود
يا عبلَ! كم منْ جَحْفلٍ فرَّقْتُهُ والجوُّ أسودُ والجبالُ تميدُ
فسطا عليَّ الدَّهرُ سطوة َ غادرٍ والدَّهرُ يَبخُلُ تارة ويجُودُ
إذا رشقت قلبي سهامٌ من الصَّدّ وبدلَ قربي حادثُ الدَّهر بالبعد
لبست لها درعاً من الصَّبر مانعاً ولاقَيتُ جَيْشَ الشَّوْقِ مُنْفرداً وحدي
وبتُّ بطَيْفٍ منْكِ يا عبلَ قانِعاً ولو باتَ يسرى في الظَّلام على خدّى
فبالله يا ريحَ الحجازِ تنفَّسي على كَبدٍ حَرَّى تَذُوبُ من الوجْدِ
ويا بَرْقُ إنْ عَرَّضت من جانبِ الحمى فَحَيِّ بني عَبْسٍ على العلم السَّعْدي
وانْ خمدتْ نيرانُ عبلة موهناٌ فكن أنتَ في اكنافها نيّرَ الوقد
وَخَلِّ النّدَى ينْهلُّ فوقَ خِيامِها يُذَكِّرُها أني مُقيمٌ على العَهْدِ
عدِمْتُ اللّقا إنْ كنتُ بعد فِراقها رقدْتُ وما مَثَّلْتُ صورَتها عندي
ومَا شاقَ قَلبي في الدُّجَى غيرُ طائرٍ ينوحُ على غصنٍ رطيب من الرَّند
به مثل ما بي فهو يخفى من الجوى كمَثْل الذي أخفِي ويُبْدي الي أبدي
ألا قاتلَ اللهُ الهوى كم بسيفهِ قتيلُ غرامٍ لا يُوَسّدُ في اللَّحْدِ
أَحْرَقَتْني نارُ الجَوى والبعادِ بَعد فَقْدِ الأَوْطانِ والأَولاد
شابَ رأسي فصارَ أبيض لوناً بعد ما كان حالكاً بالسواد
وتذكرتُ عبلة َ يومَ جاءت لوداعي والهمُّ والوجد باد
وَهي تُذْري من خيفَة ِ البُعْدِ دمْعاً مُستهِلاًّ بلَوْعة ٍ وَسُهاد
قلْتُ كِفِّي الدُّمُوعَ عنْكِ فقلبي ذاب حزناً ولوعتي في ازديادِ
ويحَ هذا الزَّمانِ كيفَ رَماني بسهامٍ صابتْ صميمَ فؤادي
غيرَ أني مثْلُ الحُسام إذا ما زادَ صقلاً جادّ يوم جلادِ
حنكتني نوائبُ الدهر حتى أوقفتني على طريقِ الرشادِ
ولقيتُ الأبطالَ في كل حربٍ وهزمتُ الرجال في كلِّ وادي
وتركتُ الفرسانَ صرعى بطعنٍ منْ سِنانٍ يحْكي رُؤُوس المزاد
وحسامٍ قد كنتُ من عهد شدَّا دٍ قديماً وكانَ منْ عهدِ عادِ
وقهرتُ الملوكَ شرقاً وغرباً وأَبَدْتُ الأَقْرانَ يوْم الطِّراد
قلَّ صبري على فراق غصوبٍ وهْو قد كان عُدَّتي واعتِمادي
وكذا عروة ٌ وميسرة ٌ حا مي حمانَا عِند اصْطدام الجياد
لأَفُكَّنّ أَسْرَهُمْ عن قريبٍ منْ أيادِي الأَعداءِ والحُسَّاد
بين العقيق وبينَ برْقَة ِ ثَهْمَد طللٌ لعبلة َ مستهلُّ المعهدِ
يا مسرحَ الآرام في وادي الحمى هل فيكَ ذو شجنٍ يروحُ ويغتدي
في أَيمَن العَلميْن دَرْسُ مَعالمٍ أوهى بها جلدي وبانَ تجلدِي
منْ كلّ فاتنة ٍ تلفتْ جيدُها مرحاً كسالفة ِ الغزالِ الأغيد
يا عبْلُ كمْ يُشْجَى فُؤَادي بالنَّوى ويرُعني صَوْتُ الغُرابِ الأَسودِ
كيف السُّلوُّ وما سمعتُ حمائماً يَنْدُبْنَ إلاّ كُنْتُ أوَّلَ منْشِدِ
ولقدْ حبستُ الدَّمع لا بخلاً بهِ يوْم الوداعِ على رُسوم المَعهَدِ
وسألتُ طير الدَّوح كم مثلي شجا بأنينهِ وحنينهِ المتردّد
ناديتهُ ومدامعي منهلة ٌ أيْن الخليُّ منَ الشَّجيِّ المُكْمَدِ
لو كنتَ مثلي ما لبثت ملوّناً وهتفتّ في غضن النقا المتأوّد
رَفعوا القبابَ على وُجوهٍ أشْرَقَتْ فيها فغيّبت السهى في الفرقد
واسْتوْقفُوا ماءَ العُيونِ بأعينٍ مَكحولة بالسِّحْر لا بالإثمِدِ
والشمسُ بين مضرَّجِ ومبلجٍ والغُصنُ بين موَشَّحٍ ومقلَّدِ
يطلعنَ بين سوالفٍ ومعاطف وقلائد منْ لؤلوءٍ وزبرجدِ
قالوا اللّقاء غداً بمنْعَرَج اللِّوى واطولَ شَوْقِ المستَهامِ إلى غدِ
وتخالُ أنفاسي إذا ردَّدتها بين الطلول محتْ نقوشَ المبْرد
وتنوفة ٍ مجهولة ٍ قد خضتها بسنان رمحٍ نارهُ لمْ تخمدِ
باكرتها في فتية ٍ عبسية ٍ منْ كلِّ أرْوعَ في الكريهة ِ أصيدِ
وتَرى بها الرَّاياتِ تَخفُقُ والقنا وَتَرى العَجاجَ كمثْل بَحرٍ مُزْبدِ
فهناك تنْظرُ آلُ عَبْسٍ مَوْقفي والخيْلُ تَعثُر بالوشيج الأَمْلدِ
وبوارقُ البيض الرقاقِ لوامعٌ في عارض مثلِ الغمام المرعدِ
وذوابلُ السُّمر الدّقاق كأَنّها تحتَ القتام نُجومُ لَيْلٍ أسوَد
وحوافرُ الخيل العتاق على الصفا مثْلُ الصواعق في قفار الفدْفدِ
باشرْتُ موكبها وخضتُ غُبارَها أطفأتُ جَمرَ لهيبها المتوقِّدِ
وكررتُ والأبطالُ بينَ تصادم وتهاجمٍ وتحزُّبٍ وتشدُّدِ
وفَوارسُ الهيجاءِ بينَ ممانعٍ ومُدافعٍ ومخادعٍ ومُعربدِ
والبيضُ تلمعُ والرِّماح عواسلٌ والقومُ بين مجدَّلٍ ومقيدِ
ومُوسَّدٍ تَحْتَ التُّرابِ وغيرُهُ فوقَ الترابِ يئنُ غير موسَّدِ
والجوُّ أقتمُ والنجومُ مضيئة ٌ والأفقُ مغبرُّ العنانِ الأربدِ
أقحمتُ مهري تحتَ ظلّ عجاجة ٍ بسنان رمحٍ ذابلٍ ومهندِ
رَغَّمتُ أنفَ الحاسِدينَ بسَطْوتي فغدوا لها منْ راكعين وسجَّدِ
إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي طفا بردها حرَّ الصبابة ِ والوجدِ
وذكرني قوماً حفظتُ عهودهمْ فما عرفوا قدري ولا حفظوا عهدي
ولولاَ فتاة ٌ في الخيامِ مُقيمَة ٌ لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يوماً على البعدِ
مُهفْهَفة ٌ والسِّحرُ من لَحظاتها إذا كلمتْ ميتاً يقوم منْ اللحدِ
أشارتْ إليها الشمسُ عند غروبها تقُول: إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي
وقال لها البدرُ المنيرُ ألا اسفري فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ
فولتْ حياءً ثم أرختْ لثامها وقد نثرتْ من خدِّها رطبَ الورد
وسلتْ حساماً من سواجي جفونها كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ
تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ ومنْ عجبٍ أن يقطع السيفُ في الغمدِ
مُرنِّحة ُ الأَعطاف مَهْضومة ُ الحَشا منعمة الأطرافِ مائسة القدِّ
يبيتُ فتاتُ المسكِ تحتَ لثامها فيزدادُ منْ أنفاسها أرج الندّ
ويطلعُ ضوء الصبح تحتَ جبينها فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعد
وبين ثناياها إذا ما تبسَّمتْ مديرُ مدامٍ يمزجُ الراحَ بالشَّهد
شكا نَحْرُها منْ عِقدها متظلِّماً فَواحَربا منْ ذلكَ النَّحْر والعقْدِ
فهل تسمح الأيامُ يا ابنة َ مالكٍ بوصلٍ يداوي القلبَ من ألم الصدِّ
سأَحْلُم عنْ قومي ولو سَفكوا دمي وأجرعُ فيكِ الصَّبرَ دونَ الملا وحدي
وحقّكِ أشجاني التباعدُ بعدكم فها أنتمُ أشجاكم البعدُ من بعدي
حَذِرْتُ من البيْن المفرِّق بيْننا وقد كانَ ظنِّي لا أُفارقكمْ جَهدي
فإن عانيت عيني المطايا وركبها فرشتُ لدَى أخْفافها صَفحة َ الخدّ
لعُوبٌ بأَلْبابِ الرّجال كأَنَّها إذا أَسْفَرَتْ بَدْرٌ بدا في المَحَاشِدِ
شَكَتْ سَقَماً كيْما تُعَادَ وما بها سِوَى فَتْرة ِ العيْنَين سقْمٌ لِعائِدِ
منَ البيض لا تلْقاكَ إلاَّ مَصونَة ً وتمْشي كَغُصْنِ البانِ بينَ الولائِدِ
كأَنَّ الثُّريَّا حينَ لاحَتْ عَشيَّة ً على نحرها منظومة ٌ في القلائدِ
منعَّمة الأطرافِ خودٌ كأنها هلالٌ على غصنِ من البانِ مائدِ
حوَى كلَّ حسن في الكواعبِ شخْصها فليسَ بها إلاَّ عيوبُ الحواسدِ
إذا كانَ دمْعي شاهدي كيفَ أجْحَدُ ونارُ اشتياقي في الحشا تتوقَّد
وهيهاتَ يخفى ما اكنُّ من الهوى وثوبُ سقامي كلَّ يومٍ يجدَّدُ
أقاتلُ أشواقي بصبري تجلداً وقلبيَ في قيدِ الغرامِ مقيدَّ
إلى الله أشكُو جَوْرَ قَوْمي وظُلْمَهُمْ إذا لم أجِدْ خِلاً على البُعد يَعْضُدُ
خليليَّ أمسى حبُّ عبلة قاتلي وبأْسِي شديدٌ والحُسامُ مُهَنَّدُ
حرامٌ عليّ النومُ يا ابنة َ مالكٍ ومَنْ فَرْشُهُ جمْرُ الغَضا كيْف يَرْقُدُ
سأندبُ حتى يعلم الطيرُ أنني حزينٌ ويرثي لي الحمامُ المغرِّدُ
وأَلثِمُ أرْضاً أنْتِ فيها مقيمَة ٌ لَعَلَّ لَهيبي مِنْ ثرى الأَرضِ يَبْرُدُ
رَحَلْتِ وقلْبي يا ابْنَة َ العمِّ تائهٌ على أثرِ الأظغانِ للرِّكب ينشدُ
لئنْ تشمتِ الأعداء يا بنتَ مالكٍ فإن ودادي مثلما كانَ يعهدُ
أحوْلي تنفضُ استك مذرويها لتقتلني فها أنا ذا عُمارا
متي ما تَلْقني فَرْدَيْن تَرجُفْ رَوانفُ ألْيَتيْكَ وتسْتَطارا
وسَيفي صارمٌ قَبضتْ عليهِ أشاجعُ لا ترى فيها انتشاراً
وسَيْفِي كالعَقيقَة وهْو كمِعْي سلاحي لا أفَلَّ ولا فُطارا
وكالورق الخفافِ وذاتُ غربِ تَرى فيها عَن الشِّرَع ازْوِرارا
ومُطَّرِّدُ الكُعوبِ أحَصُّ صَدْقٌ تخَالُ سِنانُهُ باللَّيْل نارَا
ستعلم أينا للموتِ أدنى إذا دانَيْتَ لي الأَسَلَ الحِرارا
وللرُّعْيانِ في لُقُحٍ ثَمانٍ تُحادِثُهُنَّ صَرّاً أوْ غِرارا
أقامَ على خسيستهنَّ حتى لقحنَ ونتجَ الأخرَ العشارَا
وقظنَ على لصافَ وهنَّ غلب تَرنُّ متُونُها ليلاً ظُؤَارا
ومنْجُوبٌ له مِنهنَّ صَرْعٌ يميلُ إذا عدلت به الشوَّارا
أَقلُّ عليكَ ضَرّاً منْ قريحٍ إذا أصحابه دفروهُ سارَا
وخيْلٍ قد زَحَفْتُ لها بخيْل عليها الأُسْدُ تهْتَصِرُ اهْتصارا
ومنْ يكُ سائلاً عني فإني وجروة َ لا ترودُ ولا تعارُ
مُقرَّبة الشّتاءِ ولا تراها وراءِ الحيَّ يتبعها المهارُ
لها بالصَّيف أصبرَة ٌ وجُلٌّ وستٌ منْ كرائمها غزارُ
ألاَ أبلغْ بني العشراءِ عني علانية ً فقد ذهب السرارُ
قتلْتُ سرَاتَكمْ وخَسلتُ مِنْكمْ خسيلاً مثلَ ما خُسل الوبار
فَلم يكُ حقُّكمْ أنْ تشْتُمونا بني العشراءِ إذْ جدَّ الفخارُ
وَيَمْنَعُنَا منْ كلِّ ثَغْرٍ نخافُهُ أَقَبُّ كَسِرْحانِ الأَباءَة ِ ضامرُ
وكلُّ سَبوحٍ في الغُبارِ كأَنها إذا اغتسلتْ بالماءِ فتخاءُ كاسرُ
أطْوي فيافي الفلاَ واللَّيلُ معْتكِرُ وأقطعُ البيدَ والرَّمضاءُ تَستعرُ
ولا أرى مؤنِساً غيرَ الحسام وإنْ قلَّ الأَعادِي غدَاة َ الرَّوع أَوْ كَثُروا
فَحاذِري يا سباعَ البَّرِّ منْ رجلٍ إذا انتضى سيفهُ لا ينفعُ الحذرُ
ورافِقيني تَريْ هاماً مفلَّقة ً والطيْرَ عاكِفة ً تُمسي وتَبْتكرُ
ما خَالِدٌ بعدما قدْ سِرْتُ طَالبَهُ بخالدٍ لاَ ولاَ الجيداءُ تفتخرُ
ولاَ ديارهُمُ بالأَهل آنِسة ٌ يأوي الغرابُ بها والذئبُ والنمرُ
يا عبلَ يُهْنِئْكِ ما يأْتيكِ منْ نِعَمٍ إذا رماني على أعدائكِ القدر
يا مَنْ رَمتْ مهْجتي من نَبْل مُقلتِها بأسهمٍ قاتلاتٍ برؤُها عسرُ
نعيمُ وصْلِكِ جنَّاتٌ مزَخْرفة ٌ ونارُ هجْركِ لا تُبقي ولا تَذَرُ
سقتكِ يا علم السعديَّ غادية ٌ منَ السحابِ وروى ربعكِ المطرُ
كم ليلة ٍ قد قطعنا فيكِ صالحة ٍ رغيدة ٍ صفوها ما شابهُ كدرُ
مع فتية ٍ تتعاطى الكاس مترعة ً منْ خَمرة ٍ كلَهيبِ النَّار تَزْدهر
تُدِيرُها منْ بناتِ العُربِ جارية ٌ رشيقة ُ القدِّ في أجفانها حور
إنْ عِشْتُ فهيَ التي ما عِشْتُ مالكتي وإنْ أمتْ فالليالي شأنها العبر
جفُونُ العذَارى منْ خِلال البرَاقع أحدُّ من البيضِ الرِّقاق القواطعِ
إذا جرَّدتْ ذلَّ الشُّجاعُ وأصبحتْ محاجرهُ قرْحى بفَيض المدَامِعِ
سقى اللهُ عمِّي من يدِ الموتِ جرعة ً وشلَّتْ يدَاهُ بعد قَطْعِ الأَصابعِ
كما قادَ مثْلي بالمحالِ إلى الرَّدى وعلّقَ آمالي بذَيْل المطامع
لقد ودّعتني عبلة ٌ يوْم بَيْنها وداعَ يقين أنني غير راجع
وناحتْ وقالت: كيف تُصْبح بعدَنا إذا غبتَ عنَّا في القفار الشواسع
وحقّكِ لاحاولتُ في الدهر سلوة ً ولا غيّرتني عن هواكِ مطامعي
فكنْ واثقاً منّي بحسنِ مودّة ٍ وعِشْ ناعماً في غبطة ٍ غير جازع
فقلْتُ لها: يا عَبلُ إني مسافرٌ ولو عَرَضَتْ دوني حُدُودُ القواطعِ
خلقنا لهذا الحبِّ من قبل يومنا فما يدخُل التنفيذُ فيه مسامعي
أيا علم السّعدي هل أنا راجعٌ وأنظرُ في قطريك زهرَ الأراجع
وتُبصِرُ عَيْني الرَّبوَتيْن وحاجراً وسكانَ ذاكَ الجزْعِ بين المَراتع
وتجمعنا أرضُ الشربَّة واللوى ونَرتَع في أكْنافِ تلكَ المرابع
فيا نسماتِ البانِ بالله خبِّري عُبَيلَة َ عنْ رَحلي بأَيِّ المَواضِعِ
ويا بَرْقُ بلّغْها الغدَاة َ تحيَّتي وحيِّ دياري في الحمى ومَضاجعي
أيا صادحاتِ الأيكِ إن متُّ فاندُبي على تُرْبتي بين الطُّيور السَّواجع
ونُوحي على من مات ظلماً ولم ينلْ سِوى البُعدِ عن أحْبابِهِ والفَجائع
ويا خَيْلُ فابكي فارساً كان يلْتقي صدور المنايا في غبار المعامع
فأْمْسى بعيداً في غرامٍ وذِلَّة ٍ وقيدٍ ثقيلٍ من قيودِ التوابع
ولَسْتُ بباكٍ إنْ أتَتْني منيَّتي ولكنَّني أهْفو فتَجري مدَامِعي
وليس بفَخْر وصْفُ بأْسي وشِدّتي وقد شاع ذكري في جميع المجامع
بحقّ الهوَى لا تَعْذِلُونيَ واقْصِرُوا عن اللّوْم إنّ اللّوم ليسَ بنافع
وكيفَ أُطيقُ الصَّبْرَ عمَّنْ أحبُّه وقد أضرمتْ نار الهوى في أضالعي
يا أَبا اليقْظانِ أَغْواكَ الطَّمعْ سَوْفَ تلْقى فارساً لا يندَفِعْ
زرتني تطلبُ مني غفلة ً زورة َ الذئبِ على الشاة ِ رتع
يا أَبا اليَقْظان كم صيْدٍ نجا خالي البالِ وصيادٍ وقع
انْ تكنْ تشكو
? - 22 ق. هـ / ? - 601 م
عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي.
أشهر فرسان العرب في الجاهلية ومن شعراء الطبقة الأولى. من أهل نجد. أمه حبشية اسمها زبيبة، سرى إليه السواد منها. وكان من أحسن العرب شيمة ومن أعزهم نفساً، يوصف بالحلم على شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة.
كان مغرماً بابنة عمه عبلة فقل أن تخلو له قصيدة من ذكرها. اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء، وعاش طويلاً، وقتله الأسد الرهيص أو جبار بن عمرو الطائي
رمتِ الفؤادَ مليحة ٌ عذراءُ بسهامِ لحظٍ ما لهنَّ دواءُ
مَرَّتْ أوَانَ العِيدِ بَيْنَ نَوَاهِدٍ مِثْلِ الشُّمُوسِ لِحَاظُهُنَّ ظِبَاءُ
فاغتالني سقمِى الَّذي في باطني أخفيتهُ فأذاعهُ الإخفاءُ
خطرتْ فقلتُ قضيبُ بانٍ حركت أعْطَافَه ُ بَعْدَ الجَنُوبِ صَبَاءُ
ورنتْ فقلتُ غزالة ٌ مذعورة ٌ قدْ راعهَا وسطَ الفلاة ِ بلاءُ
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَة َ تِمِّهِ قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
بسمتْ فلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغرِها فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ
سَجَدَتْ تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايلَتْ لجلالهِا أربابنا العظماءُ
يَا عَبْلَ مِثْلُ هَواكِ أَوْ أَضْعَافُهُ عندي إذا وقعَ الإياسُ رجاءُ
إن كَانَ يُسْعِدُنِي الزَّمَانُ فإنَّني في هَّمتي لصروفهِ أرزاءُ
مَا دُمْتُ مُرْتَقياً إلى العَلْيَاء حَتَّى بَلَغْتُ إلَى ذُرَى الجَوْزَاءِ
فَهُنَاكَ لا أَلْوِي عَلى مَنْ لاَمَنِي خوْفَ المَمَاتِ وَفُرْقَة ِ الأَحْياءِ
فلأغضبنَّ عواذلي وحواسدي ولأَصْبِرَنَّ عَلى قِلًى وَجَوَاءِ
ولأَجهَدَنَّ عَلى اللِّقَاءِ لِكَيْ أَرَى ما أرتجيهِ أو يحينَ قضائيِ
ولأَحْمِيَنَّ النَّفْسَ عَنْ شهَوَاتِهَا حَتَّى أَرَى ذَا ذِمَّة ٍ وَوَفاءِ
منْ كانَ يجحدني فقدْ برحَ الخفا ما كنتُ أكتمهُ عن الرُّقباءِ
ما ساءني لوني وإسمُ زبيبة ٍ إنْ قَصَّرَتْ عَنْ هِمَّتي أعدَائي
فَلِئنْ بَقيتُ لأَصْنَعَنَّ عَجَائِباً ولأُبْكمنَنَّ بَلاَغَة َ الفُصحَاءِ
لئن أكُ أسوداً فالمسكُ لوني ومَا لِسوادِ جِلدي منْ دواء
وَلَكِنْ تَبْعُدُ الفَحْشاءُ عَني كَبُعْدِ الأَرْضِ عَنْ جوِّ السَّماء
كَمْ يُبْعِدُ الدَّهْرُ مَنْ أَرْجُو أُقارِبُهُ عنِّي ويبعثُ شيطاناً أحاربهُ
فيالهُ من زمانٍ كلَّما انصرفتْ صروفهُ فتكتْ فينا عواقبهُ
دَهْرٌ يرَى الغدْرَ من إحدَى طبَائِعهِ فكيْفَ يَهْنا بهِ حُرٌّ يُصَاحِبُهُ
جَرَّبْتُهُ وَأنا غِرٌّ فَهَذَّبَني منْ بَعْدِما شَيَّبَتْ رَأْسي تجَاربُهُ
وَكيْفَ أخْشى منَ الأَيَّامِ نائِبة ً وَالدَّهْرُ أهْونُ مَا عِنْدي نَوائبُهُ
كم ليلة ٍ سرتُ في البيداءِ منفرداً واللَّيْلُ لِلْغَرْبِ قدْ مالت كوَاكبُهُ
سيفي أنيسي ورمحي كلَّما نهمتْ أسدُ الدِّحالِ إليها مالَ جانبهُ
وَكمْ غدِيرٍ مَزجْتُ الماءَ فيهِ دماً عندَ الصَّباحِ وراحَ الوحش طالبهُ
يا طامعاً في هلاكي عدْ بلا طمعٍ ولا تردْ كأسَ حتفِ أنت شاربهُ
لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ ولا ينالُ العلى من طبعهُ الغضبُ
ومن يكنْ عبد قومٍ لا يخالفهمْ إذا جفوهُ ويسترضى إذا عتبوا
قدْ كُنْتُ فِيما مَضَى أَرْعَى جِمَالَهُمُ واليَوْمَ أَحْمي حِمَاهُمْ كلَّما نُكِبُوا
لله دَرُّ بَني عَبْسٍ لَقَدْ نَسَلُوا منَ الأكارمِ ما قد تنسلُ العربُ
لئنْ يعيبوا سوادي فهوَ لي نسبٌ يَوْمَ النِّزَالِ إذا مَا فَاتَني النَسبُ
إن كنت تعلمُ يا نعمانُ أيُّ فتى ً يَلْقى أخاك الَّذِي قَدْ غرَّهُ العُصَبُ
فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحرْبِ مُبْتَسِماً وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُّمْحِ مُخْتَضِبُ
إنْ سلَّ صارمهُ سالتَ مضاربهُ وأَشْرَقَ الجَوُّ وانْشَقَّتْ لَهُ الحُجُبُ
والخَيْلُ تَشْهَدُ لي أَنِّي أُكَفْكِفُهَا والطّعن مثلُ شرارِ النَّار يلتهبُ
إذا التقيتُ الأعادي يومَ معركة ٍ تَركْتُ جَمْعَهُمُ المَغْرُور يُنْتَهَبُ
لي النفوسُ وللطّيرِاللحومُ ولل ـوحْشِ العِظَامُ وَلِلخَيَّالَة ِ السَّلَبُ
لا أبعدَ الله عن عيني غطارفة ً إنْساً إذَا نَزَلُوا جِنَّا إذَا رَكِبُوا
أسودُ غابٍ ولكنْ لا نيوبَ لهم إلاَّ الأَسِنَّة ُ والهِنْدِيَّة ُ القُضْبُ
تعدو بهمْ أعوجيِّاتٌ مضَّمرة ٌ مِثْلُ السَّرَاحِينِ في أعناقها القَببُ
ما زلْتُ ألقى صُدُورَ الخَيْلِ منْدَفِقاً بالطَّعن حتى يضجَّ السَّرجُ واللَّببُ
فا لعميْ لو كانَ في أجفانهمْ نظروا والخُرْسُ لوْ كَانَ في أَفْوَاهِهمْ خَطَبُوا
والنَّقْعُ يَوْمَ طِرَادِ الخَيْل يشْهَدُ لي والضَّرْبُ والطَّعْنُ والأَقْلامُ والكُتُبُ
ألا ياعبلُ قد زادَ التصابيْ ولجَّ اليومَ قومُكِ في عذابي
وظلَّ هواكِ ينمو كلَّ يومٍ كما ينْمو مشيبي في شَبابي
عتبتُ صروفَ دهري فيكِ حتى فَني وأَْبيكِ عُمْري في العِتابِ
وَلاقيْتُ العِدى وحفِظتُ قوْماً أضاعُوني وَلمْ يَرْعَوا جَنابي
سلي يا عبلُ عنَّا يومَ زرنا قبائل عامرٍ وبني كلابِ
وكمْ من فارس خلّيتُ مُلقى خضيب الراحتينِ بلا خضابِ
يحركُ رجلهُ رعباً وفيهِ سنانُ الرُّمح يلمعُ كالشَّهابِ
قتلنا منهمُ مائتين حرَّا وألفاً في الشِّعابِ وفي الهضابِ
سَلا القلبَ عَمّا كان يهْوى ويطْلبُ وأصبحَ لا يشكو ولا يتعتبُ
صحا بعدَ سُكْرٍ وانتخى بعد ذِلَّة ٍ وقلب الذي يهوى ْ العلى يتقلبُ
إلى كمْ أُداري من تريدُ مذلَّتي وأبذل جهدي في رضاها وتغضبُ
عُبيلة ُ! أيامُ الجمالِ قليلة ٌ لها دوْلة ٌ معلومة ٌ ثمَّ تذهبُ
فلا تحْسبي أني على البُعدِ نادمٌ ولا القلبُ في نار الغرام معذَّبُ
وقد قلتُ إنِّي قد سلوتُ عَن الهوى ومَنْ كان مثلي لا يقولُ ويكْذبُ
هَجرتك فامضي حيثُ شئتِ وجرِّبي من الناس غيري فاللبيب يجرِّبُ
لقدْ ذلَّ منْ أمسى على رَبْعِ منْزلٍ ينوحُ على رسمِ الدَّيار ويندبُ
وقدْ فاز منْ في الحرْب أصبح جائلا يُطاعن قِرناً والغبارُ مطنبُ
نَدِيمي رعاكَ الله قُمْ غَنِّ لي على كؤوسِ المنايا مِن دمٍ حينَ أشرَبُ
ولاَ تسقني كأْسَ المدامِ فإنَّها يَضلُّ بها عقلُ الشُّجَاع وَيذهَبُ
يُذبِّبُ وَردٌ على إثره وأمْكنَهُ وَقع مِرد خَشِبْ
تتابعَ لا يبتغى غيرها بأَبيَضَ كالْقبَس الملْتَهبْ
فمنْ يكُ في قتلهِ يمتري فإن أبا نَوْفَلٍ قدْ شَجبْ
وغادرْتُ نضْلة َ في معْرَكٍ يَجُرُّ الأَسِنَّة َ كالمُحْتَطِب
كأَنَّ السرَايا بينَ قَوٍّ وقارة ٍ عصائِبُ طَير ينْتَحينَ لِمشْرَبِ
وقدْ كنْتُ أخشى أنْ أمُوتَ ولم تَقمْ قرائِبُ عمروٍ وسْطَ نَوْحٍ مُسلَّبِ
شَفى النفس منَّي أودَنا منْ شفائِها ترَدَّيهم منْ حالقٍ متصوبِ
تصيح الردينياتُ في حجباتهمْ صياحَ العَوالي في الثقافِ المثقبِ
كتائبُ تزجى فوقَ كلَّ كتيبة ٍ لوَاءٌ كظلِّ الطَّائر المتقلِّبِ
لا تذكري مهري وما أطعمتهُ فيكونُ جلدكِ مثلَ جلدِ الأجربِ
إنَّ الغَبُوقَ لهُ وأنْتِ مسوءَة ٌ فتأَوَّهي ما شئْتِ ثمَّ تحَوَّبي
كذَبَ العَتيقُ وماءُ شنٍّ باردٍ إنْ كُنتِ سائِلَتي غبُوقاً فاذهبي
إنَّ الرِّجالَ لهمْ إليْكِ وسيلَة ٌ إنْ يأْخذوكِ تكحَّلي وتخضَّبي
ويكُونُ مرْكبُكِ القَعُودَ ورَحْلهُ وابنُ النَّعامَة ِ يَوْمَ ذلكَ مَرْكبي
إِنيَّ أحاذرُ أنْ تقولَ ظعينتي هذَا غُبارٌ ساطعٌ فتَلَبَّب
وأنا امْرُؤٌ إنْ يأْخذوني عَنوَة ً أقرنْ إلى شرَّالركابِ وأُجنبِ
حسناتي عند الزَّمانِ ذنوبُ وفعالي مذمة ٌ وعيوبُ
ونصيبي منَ الحبيبِ بعادٌ وَلغيْري الدُّنوُّ منهُ نَصيبُ
كلَّ يوْمٍ يَبْري السِّقامَ محبٌّ منْ حَبيبٍ ومَا لسُقمي طبيبُ
فكأنَّ الزمانَ يهوى حبيباً وكأَنِّي على الزَّمانِ رَقيبُ
إنَّ طَيْفَ الخيالِ يا عبْلَ يَشفي وَيداوي بهِ فؤادي الكئيبُ
وهلاكي في الحبِّ أهوَنُ عندي منْ حياتي إذا جفاني الحبيبُ
يا نسيم الحجازِ لولاكِ تطفي نارُ قلْبي أَذابَ جسْمي اللَّهيبُ
لكَ منِّي إذا تَنفَّستُ حَرٌّ ولرَيَّاكَ منْ عُبيلة َ طيبُ
ولقد ناحَ في الغُصونِ حمامٌ فشجَاني حنينُهُ والنَّحيبُ
باتَ يشكُو فِراقَ إلفٍ بَعيدٍ وَينادِي أَنا الوحيدُ الغريبُ
ياحمامَ الغصونِ لو كنتَ مثلي عاشقاً لم يرُقكَ غُصْنٌ رَطيبُ
فاتركِ الوجدَ والهوى لمحبٍ قلبُهُ قدْ أَذَابَهُ التَّعْذِيبُ
كلُّ يومٍ لهُ عتابٌ معَ الدَّه ـرِ وأَمْرٌ يَحارُ فيهِ اللَّبيبُ
وَبلايا ما تنقضي ورزايا مالها منْ نهاية ٍ وخطوبُ
سائلي يا عبيلَ عني خبيراً وَشُجاعاً قَدْ شيَّبَتهُ الحُرُوبُ
فسينبيكِ أنَّ في حدَّ سيفي ملكُ الموتِ حاضرٌ لا يغيبُ
وسِناني بالدَّارعينَ خَبيرٌ فاسأليهِ عما تَكون القلوبُ
كمْ شُجاعٍ دَنا إليَّ وَنادَى يا لَقَوْمي أَنا الشُّجاعُ المَهيبُ
ما دَعاني إلاَّ مَضى يَكْدِمُ الأَرْ ض وَقَدْ شُقَّتْ عَلَيْهِ الجُيُوبُ
ولسمرِ القَنا إليَّ انتسابٌ وَجَوَادي إذَا دَعاني أُجيبُ
يضحكُ السَّيفُ في يدي وَينادي ولهُ في بنانِ غيري نحيبُ
وهوَ يَحْمي مَعِي على كلِّ قِرْنٍ مثلما للنسيبِ يحمي النسيبُ
فدعوني منْ شربِ كأسِ مدامِ منْ جوارٍ لهنَّ ظرفٌ وطيبُ
وَدَعُوني أَجُرُّ ذَيلَ فخَارٍ عِندَما تُخْجِلُ الجبانَ العُيُوبُ
دَعني أَجِدُّ إلى العَلْيَاءِ في الطَّلبِ وأبلغُ الغاية َ القصوى منَ الرتبِ
لعلَّ عبلة َ تضحى وهيَ راضية ٌ على سوادي وتمحوصورة َ الغضبِ
إذا رَأتْ سائرَ الساداتِ سائرة ً تَزورُ شِعْري برُكْنِ البَيْتِ في رَجبِ
يا عبْلَ قُومي انظُري فِعْلي وَلا تسَلي عني الحسودَ الذي ينبيكِ بالكذبِ
إن أقبلتْ حدقُ الفرسانِ ترمقني وكلُّ مقدام حربٍ مالَ للهربِ
فَما ترَكْتُ لهُمْ وجْهاً لِمُنْهَزمِ ولاّ طريقاً ينجيهم من العطبِ
فبادري وانظري طعناً إذا نظرتْ عينُ الوليدِ إليه شابَ وهو صبيِ
خُلِقْتُ للْحَرْبِ أحميها إذا بَردَتْ وأصطلي نارها في شدَّة اللهبِ
بصَارِمٍ حَيثُما جرَّدْتُهُ سَجَدَتْ له جبابرة ُ الأعجامِ والعربِ
وقدْ طَلَبْتُ منَ العَلْياءِ منزلة ً بصارمي لا بأُمِّي لا ولا بأَبي
فمنْ أجابَ نجا ممَّا يحاذره ومَنْ أَبى طَعمَ الْحَربِ والحَرَبِ
أُعاتِبُ دَهراً لاَ يلِينُ لعاتبِ وأطْلُبُ أَمْناً من صُرُوفِ النَّوائِبِ
وتُوعِدُني الأَيَّامُ وعْداً تَغُرُّني وأعلمُ حقاً أنهُ وعدُ كاذبِ
خَدَمْتُ أُناساً وَاتَّخَذْتُ أقارباً لِعَوْنِي وَلَكِنْ أصْبَحُوا كالعَقارِبِ
يُنادُونني في السِّلم يا بْنَ زَبيبة ٍ وعندَ صدامِ الخيلِ يا ابنَ الأطايبِ
ولولا الهوى ما ذلَّ مثلي لمثلهم ولا خَضعتْ أُسدُ الفَلا للثَّعالبِ
ستذكرني قومي إذا الخيلُ أصبحتْ تجولُ بها الفرسانُ بينَ المضاربِ
فإنْ هُمْ نَسَوْني فالصَّوَارمُ والقَنا تذكرهمْ فعلي ووقعَ مضاربيِ
فيَا لَيْتَ أَنَّ الدَّهْرَ يُدني أَحبَّتي إليَّ كما يدني إليَّ مصائبيِ
ولَيْتَ خيالاً مِنكِ يا عبلَ طارقاً يرى فيضَ جفني بالدموعِ السواكبِ
سأَصْبِرُ حَتَّى تَطَّرِحْني عَواذِلي وحتى يضجَّ الصبرُ بين جوانبيِ
مقامكِ في جوِّ السماء مكانهُ وَباعِي قَصيرٌ عَنْ نوالِ الكَواكِبِ
وغَداة َ صَبَّحْنَ الجِفارَ عوابساً يَهْدي أوَائِلَهُنَّ شُعْثٌ شُزَّب
إذا قنعَ الفتى بذميمِ عيشِ وَكانَ وَراءَ سَجْفٍ كالبَنات
وَلمْ يَهْجُمْ على أُسْدِ المنَايا وَلمْ يَطْعَنْ صُدُورَ الصَّافِنات
ولم يقرِ الضيوفَ إذا أتوهُ وَلَمْ يُرْوِ السُّيُوفَ منَ الكُماة ِ
ولمْ يبلغْ بضربِ الهامِ مجداً ولمْ يكُ صابراً في النائباتِ
فَقُلْ للنَّاعياتِ إذا بكَتهُ أَلا فاقْصِرْنَ نَدْبَ النَّادِباتِ
ولا تندبنَ إلاَّ ليثَ غابٍ شُجاعاً في الحُروبِ الثَّائِراتِ
دَعوني في القتال أمُت عزيزاً فَموْتُ العِزِّ خَيرٌ من حَياتي
لعمري ما الفخارُ بكسْب مالٍ ولا يُدْعى الغَنيُّ منَ السُّرَاة ِ
ستذكُرني المعامعُ كلَّ وقتٍ على طُولِ الحياة ِ إلى المَمات
فذاكَ الذِّكْرُ يبْقى لَيْسَ يَفْنى مَدى الأَيَّام في ماضٍ وآت
وإني اليومَ أَحمي عِرْضَ قومي وأَنْصُرُ آلَ عَبْسَ على العُدَاة ِ
وآخذُ مَالنا منْهُمُ بحَرْبٍ تَخِرُّ لها مُتُونُ الرَّاسيَاتِ
وأَتْرُكُ كلَّ نائِحَة ٍ تُنادي عليهم بالتفرقِ والشتاتِ
سكتُّ فَغَرَّ أعْدَائي السُّكوتُ وَظنُّوني لأَهلي قَدْ نسِيتُ
وكيفَ أنامُ عنْ ساداتِ قومٍ أنا في فَضْلِ نِعْمتِهمْ رُبيت
وإنْ دارْتْ بِهِمْ خَيْلُ الأَعادي ونَادوني أجَبْتُ متى دُعِيتُ
بسيفٍ حدهُ موجُ المنايا وَرُمحٍ صَدْرُهُ الحَتْفُ المُميتُ
خلقتُ من الحديدِ أشدَّ قلباً وقد بليَ الحديدُ ومابليتُ
وَإني قَدْ شَربْتُ دَمَ الأَعادي بأقحافِ الرُّؤوس وَما رَويتُ
وفي الحَرْبِ العَوانِ وُلِدْتُ طِفْلا ومِنْ لبَنِ المَعامِعِ قَدْ سُقِيتُ
فما للرمحِ في جسمي نصيبٌ ولا للسيفِ في أعضاي َقوتُ
ولي بيتٌ علا فلكَ الثريَّا تَخِرُّ لِعُظْمِ هَيْبَتِهِ البُيوتُ
أشاقكَ مِنْ عَبلَ الخَيالُ المُبَهَّجُ فقلبكَ فيه لاعجٌ يتوهجُ
فقَدْتَ التي بانَتْ فبتَّ مُعذَّبا وتلكَ احتواها عنكَ للبينِ هودجُ
كأَنَّ فُؤَادي يوْمَ قُمتُ مُوَدِّعاً عُبَيْلَة مني هاربٌ يَتَمعَّج
خَليلَيَّ ما أَنساكُمَا بَلْ فِدَاكُمَا أبي وَأَبُوها أَيْنَ أَيْنَ المعَرَّجُ
ألمَّا بماء الدُّحرضين فكلما دِيارَ الَّتي في حُبِّها بتُّ أَلهَجُ
دِيارٌ لذَت الخِدْرِ عَبْلة َ أصبحتْ بها الأربعُ الهوجُ العواصِف ترهجُ
ألا هلْ ترى إن شطَّ عني مزارها وأزعجها عن أهلها الآنَ مزعجُ
فهل تبلغني دارها شدنية ٌ هملعة ٌ بينَ القفارِ تهملجُ
تُريكَ إذا وَلَّتْ سَناماً وكاهِلاً وإنْ أَقْبَلَتْ صَدْراً لها يترَجْرج
عُبيلة ُ هذا دُرُّ نظْمٍ نظمْتُهُ وأنتِ لهُ سلكٌ وحسنٌ ومنهجُ
وَقَدْ سِرْتُ يا بنْتَ الكِرام مُبادِراً وتحتيَ مهريٌ من الإبل أهوجُ
بأَرْضٍ ترَدَّى الماءُ في هَضَباتِها فأَصْبَحَ فِيهَا نَبْتُها يَتَوَهَّجُ
وأَوْرَقَ فيها الآسُ والضَّالُ والغضا ونبقٌ ونسرينٌ ووردٌ وعوسجُ
لئِنْ أَضْحتِ الأَطْلالُ مِنها خَوالياً كأَنْ لَمْ يَكُنْ فيها من العيش مِبْهجُ
فيا طالما مازحتُ فيها عبيلة ً ومازحني فيها الغزالُ المغنجُ
أغنُّ مليحُ الدلَّ أحورُ أَكحلٌ أزجُّ نقيٌ الخدَّ أبلجُ أدعجُ
لهُ حاجِبٌ كالنُّونِ فوْقَ جُفُونِهِ وَثَغْرٌ كزَهرِ الأُقْحُوَانِ مُفَلَّجُ
وردْفٌ له ثِقْلٌ وَقدٌّ مُهَفْهَفُ وخدٌّ به وَرْدٌ وساقٌ خَدَلَّجُ
وبطنٌ كطيِّ السابرية ِ لينٌ أقبّ لطيفٌ ضامرُ الكشح أنعجُ
لهوتُ بها والليلُ أرخى سدولهُ إلى أَنْ بَدا ضَوْءُ الصَّباح المُبلَّجُ
أراعي نجومَ الليلُ وهي كأنها قواريرُ فيها زئبق يترجرجُ
وتحتي منها ساعدٌ فيه دملجٌ مُضِيءٌ وَفَوْقي آخرٌ فيه دُمْلجُ
وإخوانُ صدق صادقينَ صحبتهمْ على غارة ً من مثلها الخيلُ تسرجُ
تَطوفُ عَلَيْهمْ خَنْدَرِيسٌ مُدَامَة ٌ تَرَى حَبَباً مِنْ فَوْقِها حينَ تُمزَجُ
ألا إنَّها نِعْمَ الدَّواءُ لشاربٍ أَلا فاسْقِنِيها قَبْلما أَنْتَ تَخْرُج
فنضحيْ سكارى والمدامُ مصفَّف يدار علينا والطعامُ المطبهجُ
وما راعني يومَ الطعانِ دهاقهُ إليَ مثلٍ منْ بالزعفرانِ نضرِّجُ
فأقبلَ منقضَّاعليَّ بحلقهِ يقرِّبُ أحياناً وحيناً يهملجُ
فلمَّا دنا مِني قَطَعْتُ وَتِينَهُ بحدِّ حسامٍ صارمٍ يتفلجُ
كأنَّ دماءَ الفرسِ حين تحادرتْ خلوقُ العذارى أو خباءُ مدبجُ
فويلٌ لكسرى إنْ حللتُ بأرضهِ وويلٌ لجيشِ الفرسِ حين أعجعجُ
وأحملُ فيهمْ حملة ً عنترية ً أرُدُّ بها الأَبطالَ في القَفْر تُنبُجُ
وأصدمُ كبش القوم ثمَّ أذيقهُ مرارَة َ كأْسِ الموتِ صبْراً يُمَجَّجُ
وآخُذُ ثأرَ النّدْبِ سيِّدِ قومِهِ وأضرُمها في الحربِ ناراً تؤجَّجُ
وإني لحمالٌ لكلِّ ملمة ٍ تَخِرُّ لها شُمُّ الجبالِ وَتُزْعَجُ
وإني لأحمي الجارَ منْ كلّ ذلة ٍ وأَفرَحُ بالضَّيفِ المُقيمِ وأَبهجُ
وأحمي حمى قومي على طول مدَّتي الى أنْ يروني في اللفائفِ أدرجُ
فدُونَكُمُ يا آلَ عَبسٍ قصيدة ً يلوحُ لها ضوْءٌ منَ الصُّبْح أبلَجُ
ألا إنها خيرُ القصائدِ كلها يُفصَّل منها كلُّ ثوبٍ وينسجُ
لمن الشموسُ عزيزة َ الأحداج يطلعنَ بينَ الوشيِ والديباجِ
منْ كلّ فائقة ِ الجمال كدمية ٍ من لؤْلُؤٍ قدْ صُوِّرَتْ في عاج
تمشي وَتُرفِلُ في الثِّيابِ كأَنَّها غصنٌ ترنحً في نقاً رجاجِ
حفَّتْ بهن مَناصلٌ وذَوابلٌ ومشتْ بهنَّ ذواملٌ ونواجِ
فيهن هيفاءُ القوام كأنها فُلكٌ مُشرَّعة ٌ على الأَمواج
خطفَ الظلامُ كسارقٍ من شعرها فكأَنَّما قرَنَ الدُّجى بدَياجي
ابصرتُ ثمَّ هويتُ ثمَّ كتمتُ ما أَلقى وَلمْ يَعْلَمْ بذَاكَ مُناجي
فوَصلْتُ ثمَّ قَدَرْتُ ثمَّ عَفَفْتُ من شرَفٍ تناهى بي إلى الإنضاج
أُعاتبُ دَهراً لا يَلينُ لناصِح وأخفي الجوى في القلب والدَّمعُ فاضحى
وَقَومي معَ الأَيَّام عَوْنٌ على دَمي وَقَدْ طلَبوني بالقَنا والصَّفائِحِ
وقد أبعدوني عن حبيبٍ احبُّه فأصبحتُ في قفرٍ عن الانس نازح
وقد هانَ عندي بذلُ نفسٍ عزيزة ٍ ولو فارقتني ما بكتها جوارحي
وأَيسَرُ منْ كَفِّي إذَا ما مَددْتُها لَنَيْل عَطَاءٍ مَدُّ عُنْقي لذَابح
فيا رَبُّ لا تجْعلْ حَياتي مَذَمَّة ً ولا مَوْتتي بين النِّساءِ النَّوائِحِ
ولكن قَتيلاً يَدْرُجُ الطَّيرُ حوْلَهُ وتشربُ غربانُ الفلا من جوانحي
إذا لاقَيْتَ جمْعَ بني أبانٍ فإني لائمٌ للجعد لاح
كأنَّ مؤشر العضدين حجلاً هَدُوجاً بين أَقلبة ٍ مِلاَح
تضَمَّنَ نعْمتي فغدا عليها بُكُوراً أَوْ تَعَجَّلَ في الرَّواح
ألمْ تعلمْ لحاكَ الله أنيّ أجَمُّ إذَا لَقيتُ ذوي الرِّماح
كسوتُ الجعدَ جعد بني أبانٍ سِلاحيَ بعْد عُرْيٍ وافتِضاح
طربتَ وهاجتكَ الظباءُ السوانح غداة َ غدت منها سنيحٌ وبارح
تغالتْ بي الأشواقُ حتى كأنما بزندينِ في جوفي منَ الوجدِ قادح
وقد كنتَ تخفي حبّ سمراءَ حقبة ً فَبُحْ لانَ منها بالذي أَنْتَ بائحُ
لعَمْري لقد أُعذِرْتُ لو تَعذِرينني وخشنت صدراً غيبهُ لك ناصحُ
أعاذل كمْ من يوم حربٍ شهدتهُ له مَنْظرٌ بادي النَّواجذِ كالحُ
فلم أرَ حياً صابروا مثل صبرنا ولا كافحوا مثلَ الذينَ نُكافحُ
إذا شِئتُ لاقاني كَميُّ مُدَجَّجٌ على اعوجيّ بالطعانِ مسامحُ
نُزاحِفُ زَحفاً أَو نلاقي كَتيبَة ً تُطاعِنُنا أَو يذَعرُ السَّرحَ صائحُ
فَلمَّا التَقينا بالجِفار تصَعصَعوا وردَّت على أعقابهنَّ المسالح
وسارتْ رجالٌ نحو أخرى عليهم الح ديدُ كما تمشي الجمالُ الدوالحُ
إذا ما مَشوا في السَّابغاتِ حَسبتُهُمْ سيولاً وقد جاشتْ بهن الأباطحُ
فأشرعَ راياتٌ وتحت ظلالها من القوْم أبْناءُ الحروبِ المراجحُ
ودُرْنا كما دارَتْ على قطبها الرَّحى ودَارَتْ على هام الرِّجال الصَّفائحُ
بهاجرة ٍ حتَّى تغَّيبَ نورها وأقبل ليلٌ يقبضُ الطَّرف سائحُ
تداعى بنو عبسٍ بكلِّ مهنَّدٍ حُسامٍ يُزيلُ الهامَ والصَّفُّ جانحُ
وكلُّ رُدَيْنيٍّ كأنَّ سِنانَهُ شهابٌ بدَا في ظُلمَة ِ اللَّيْل وَاضحُ
فخلُّوا لنا عُوذَ النِّساءِ وَجبَّبُوا عباديدَ منهم مُستَقيمٌ وجَامحُ
وكلَّ كعوبٍ خدلة السَّاق فخمة ٍ لها مَنْبتٌ في آلِ ضَبَّة طامحُ
تركنا ضراراً بين عانٍ مكبَّل وبين قَتيلٍ غاب عنهُ النَّوَائحُ
وعمْراً وَحيَّاناً ترَكْنا بقَفْرَة ٍ تعودهما فيها الضّباعُ الكوالح
يجرِّرْنَ هاماً فلَّقتها رِماحُنا تزيَّل منهنَّ اللحى والمسايح
نحا فارسُ الشهباءِ والخيلُ جنحُ على فارسٍ بين الأسِنَّة ِ مُقْصَدِ
ولولا يدٌ نالَتْهُ مِنَّا لأَصْبَحَتْ سِباعٌ تهادَى شِلْوَهُ غيرَ مُسْنَدَ
فلا تَكْفُر النّعْمى وأثْن بفَضلِها ولا تأمننْ مايحدثُ الله في غدِ
فإنْ يَكُ عبدُ الله لاقى فوَارساً يردُّون خالَ العارض المتوقدِ
فقدْ أمكَنَتْ مِنْكَ الأَسِنَّة ُ عانياً فلم تجز إذ تسعى قتيلاً بمعبد
هدُّيكم خيرٌ أباً من أبيكم أعفُّ وأوفى بالجوار وأحمدُ
وأطعنُ في الهيجا إذا الخيلُ صدَّها غداة الصَّباح السَّمْهَريُّ المُقَصَّدُ
فَهلاَّ وفي الغَوْغاءِ عمْرو بن جابرٍ بذمَّتِهِ وابنُ اللَّقيطَة ِ عِصْيَدُ
سيأتيكم عنيّ وإن كنتُ نائياً دُخانُ العَلَنْدي دونَ بَيْتيَ مِذْوَدُ
قصائِدُ منْ قِيلِ امرىء ٍ يَحْتَذِيكُمُ بني العشراءِ فارتدوا وتقلدوُا
تركتُ بني الهجيمْ لهمْ دوارٌ إذا تمضي جماعتهمْ تعودُ
تركتُ جريَّة َ العمريَّ فيهِ سَديدُ العيرِ مُعْتدلٌ شَديدُ
فإنْ يبْرَأْ فلم أنْفِثْ عليهِ وإنْ يُفْقَدْ فَحُقَّ لهُ الفُقُود
وهلْ يدري جرية ُ أنَّ نبلي يكونُ جفيرهُا البطلُ النجيدُ
إذا وَقَعَ الرِّماحُ بمَنْكِبَيْه تولَّى قابعاً فيهِ صدودُ
كأَنَّ رماحَهُم أشْطانُ بئْرٍ لها في كلَّ مدلجة ِ خدودُ
وَلَلمَوتُ خيرٌ للفَتى من حياتِهِ إذا لمْ يثِبْ للأَمر إلاَّ بقائدِ
فعالجْ جسيمات الأمور ولا تكنْ هبيتَ الفؤادِ همة ً للسوائدِ
إذا الرِّيحُ جاءَتْ بالجَهام تَشُّلهُ هذا ليله مثلُ القلاص الطرائدِ
وأعقَبَ نَوْءُ المُدْبرينَ بغبرَة ٍ وَقطْرٍ قليلِ الماءِ باللَّيْل بارد
كفى حاجة ََ الأضيافِ حتى يريحها على الحيَّ منا كلُّ أروعَ ماجدِ
تراهُ بتفريج الأمور ولفهّا لما نالَ من معروفها غيرَ زاهدِ
ولَيْسَ أخونا عِندَ شَرٍّ يخافُهُ ولا عندَ خَيْرٍ إنْ رجاهُ بواحدِ
إذا قيلَ منْ للمعضلاتِ أجابهُ عظامُ اللهى منَّا طوالُ السَّواعدِ
إذا جحدَ الجميلَ بنو قرادٍ وجازَى بالقَبيح بَنو زيادِ
فَهُمْ ساداتُ عَبْسٍ أيْنَ حَلُّوا كما زعمُوا وفَرْسانُ البلادِ
وَلا عَيْبٌ عليَّ ولا مَلامٌ إذا أصلحتُ حالي بالفسادِ
فإنَّ النارَ تضرمُ في جمادٍ إذا ما الصخرُ كرَّ على الزنادِ
ويُرْجَى الوصْلُ بعدَ الهَجْر حيناً كما يرجى الدنوُّ منَ البعادِ
حَلُمْتُ فما عَرَفتُمْ حقَّ حِلمي ولا ذكرَتْ عشيرَتكُمْ ودادي
سأَجْهلُ بعدَ هذا الحلم حتى أُريقَ دَمَ الحواضِر والبَوادي
ويشكوا السيفُ منْ كفي ملالاً ويسأمُ عاتقي حملَ النجادِ
وقد شاهدتمُ في يومْ طيَّ فعالي بالمهندة ِ الحدادِ
رَدَدتُ الخَيْلَ خاليَة ً حَيارَى وسُقْتُ جيادَها والسَّيفُ حادِي
ولو أنّ السنانَ لهُ لسانُ حكَى كَمْ شكَّ دِرْعاً بالفُؤَاد
وكم داع ِدعا في الحرب باسمي وناداني فَخُضتُ حَشا المنادي
يردُ جوابهُ قولاً وفعلاً ببيضِ الهند والسُّمرِ الصعادِ
فكن ياعمرو منه على حذارِ ولا تملأْ جفُونَكَ بالرُّقاد
ولولا سيدٌ فينا مطاعٌ عظيم القدر مرتفعُ العمادِ
أقمتُ الحقَّ في الهنديَّ رغماً وأظهَرْتُ الضَّلال منَ الرَّشاد
أرضُ الشَّرَبَّة ِ شِعْبٌ ووادي رَحَلْتُ وأهلْها في فُؤَادي
يحلُّون فيهِ وفي ناظري وإنْ أبْعدوا في مَحَلّ السَّواد
إذَا خَفَقَ البرْقُ منْ حيِّهم أرقتُ وبتّ ُحليفَ السهاد
وريحُ الخُزَامى يُذَكِّرُ أنْفي نَسيمع عَذَارَى وذَاتَ الأَيادي
أيا عبلُ مني بطيفِ الخيالِ على المُستَهَامِ وطِيبِ الرُّقادِ
عسى نَظْرَة ٌ مِنْكِ تحيا بها حُشاشَة ُ مَيْتِ الجفا والبِعادِ
وحقَك لا زالَ ظهْر الجواد مقيلي وسيفي ودرعي وسادي
إلى أنْ أدوسَ بلادَ العراق وأَفني حواضِرَها والبَوادي
إذا قامَ سوقٌ لبَيعِ النفوسِ ونادى وأعلنَ فيها المنادي
وأقبلتِ الخيلُ تحتَ الغبار بوَقْعِ الرِّماحِ وضَرْبِ الحداد
هنالكَ أصدمُ فرسانها فترْجع مخْذولة ً كالعِماد
وأرجعُ والنوق موقورة ٌ تَسيرُ الهُوَيْنَا وَشَيْبُوبُ حادي
وتَسْهَرُ لي أعينُ الحاسدينَ وترقدُ أعينُ أهل الوداد
ألا مَنْ مُبْلغٌ أهلَ الجُحُود مَقالَ فتى ً وَفيٍّ بالعُهُود
سأخرجُ للبرازِ خلى َّ بالِ بقَلبٍ قُدَّ منْ زُبَرِ الحديدِ
وأطعنُ بالقنا حتى يراني عَدوي كالشرارة ِ من بعيد
إذا ما الحربُ دارتْ لي رَحاها وطاب المَوْتُ للرَّجُلِ الشَّدِيد
تَرَى بيضاً تَشَعْشَعُ في لَظاها قد التصقت بأعضادِ الزنود
فأقحمُها ولكن معْ رجالٍ كأَنَّ قلوبها حَجَرُ الصَّعيد
وَخَيْلٍ عُوِّدتْ خَوْضَ المنايا تُشَيِّبُ مَفْرِقَ الطفْلِ الوليدِ
سأَحمِلُ بالأُسودِ على أسودٍ وأخْضِبُ ساعدي بدمِ الأُسود
بمَمْلكَة ٍ عليها تَاج عِزٍّ وَقَوْمٍ من بني عَبْسٍ شُهود
فأَما القائلونَ هزبرُ قومٍ فَذَاكَ الفَخرُ لا شَرَفُ الجدود
وأمَّا القائِلونَ قَتيلُ طَعْنٍ فذلك مصرع البطل الجليد
صحا مِنْ بعْدِ سكرته فؤَادي وعاود مقْلتي طِيبُ الرُّقاد
وأصبح من يعاندني ذليلا كَثيرَ الهَمّ لا يَفْدِيهِ فادي
يرى في نومهِ فتكات سيفي فَيَشْكُو ما يَرَاهُ إلى الوِسادِ
ألا ياعبل قد عاينتِ فعلي وبانَ لكِ الضلالُ من الرَّشاد
وإنْ أبْصَرْتِ مِثْلِي فاهْجُريني ولا يَلْحَقْكِ عارٌ مِنْ سَوادي
وإلاَّ فاذكري طَعني وَضَربي إذا ما لَجّ قَوْمُك في بِعادي
طَرَقْتُ ديار كِنْدَة َ وهي تدْوي دويَّ الرعدِ منْ ركضِ الجياد
وبَدَّدْتُ الفَوارِسَ في رُباها بطعنٍ مثلِ أفواه المزادِ
وَخَثْعَمُ قد صَبَحْناها صَباحاً بُكُوراً قَبْلَ ما نادى المُنادي
غدوا لما رأوا من حد سيفي نذير الموت في الأرواحِ حاد
وعُدْنا بالنّهابِ وبالسَّرايا وبالأَسرَى تُكَبَّلُ بالصَّفاد
ألا يا عبل ضيعتِ العُهودا وأمسَى حبكِ الماضي صُدُودا
وما زالَ الشبابُ ولا اكتهلنا ولا أبْلى الزَّمانُ لنا جديدا
وما زالتْ صوارمنا حداداً تَقُدُّ بها أنامِلُنا الحديدا
سَلي عنَّا الفزاريّينَ لمَّا شَفَيْنَا مِنْ فَوَارسها الكُبُودا
وخلينا نسائهمُ حيارى قُبَيْلَ الصُّبْحِ يَلْطِمْنَ الخُدُودا
مَلأْنا سائِرَ الأَقطار خَوْفاً فأضحى العالمونَ لنا عبيدا
وجاوزنا الثريا في علاها ولم نَتْرُك لقَاصِدَنا وَفُودا
إذا بَلَغَ الفِطامَ لنا صبيٌّ تَخِرُّ لهُ أعاديَنا سُجُودا
فمن يقصدْ بداهية ٍ الينا يرى منا جبابرة ً أسودا
ويَوْمَ البَذْلِ نعْطي ما مَلَكْنا ونملا الأرضَ إحسانا وجودا
وننعلُ خيلنا في كلَّ حربٍ عِظاماً دامياتٍ أَوْ جلُودا
فَهَلْ مَنْ يُبْلغ النُّعْمانَ عنَّا مَقالاً سَوْفَ يَبْلغهُ رشيدا
إذا عادتْ بَنو الأَعْجام تَهوي وقد وَلَّتْ ونَكَّسَت البنُودا
أُعادي صَرْفَ دَهْرٍ لا يُعادى وأحتملُ القطيعة والبعادا
وأظهرُ نُصْحَ قَوْمٍ ضَيَّعُوني وإنْ خانَت قُلُوبُهُمُ الودَادا
أعللُ بالمنى قلبا عليلا وبالصبر الجميلِ وان تمادى
تُعيّرني العِدى بِسوادِ جلْدي وبيض خصائلي تمحو السَّوادا
سلي يا عبلَ قومك عنْ فعالي ومَنْ حضَرَ الوقيعَة َ والطّرادا
وردتُ الحربَ والأبطالُ حولي تَهُزُّ أكُفُّها السُّمْرَ الصّعادا
وخُضْتُ بمهْجتي بحْرَ المَنايا ونارُ الحربِ تتقدُ اتقادا
وعدتُّ مخضباً بدَم الأعادي وكَربُ الرَّكض قد خضَبَ الجودا
وكمْ خلفتُ منْ بكرٍ رداحٍ بصَوْتِ نُواحِها تُشْجي الفُؤَادا
وسَيفي مُرْهَفُ الحدَّينِ ماضٍ تَقُدُّ شِفارُهُ الصَّخْرَ الجَمادا
ورُمحي ما طعنْتُ به طَعيناً فعادَ بعينيهِ نظرَ الرشادا
ولولا صارمي وسنانُ رمحي لما رَفَعَتْ بنُو عَبْسٍ عمادا
لأَيِّ حَبيبٍ يَحْسُنُ الرَّأْيُ والوُدُّ وأكثرُ هذا الناسِ ليس لهم عهدُ
أريدُ منَ الأَيَّامِ ما لا يَضُرُّها فهل دافعٌ عنيَّ نوائبها الجهد
وما هذهِ الدنيا لَنا بمطيعة ٍ وليسَ لخلقٍ من مداراتها بدُ
تَكونُ المَواليَ والعبيدُ لعاجزٍ ويخدم فيها نفسهُ البطلُ الفردُ
وكل قريبٍ لي بعيدُ مودة ٍ وكلّ صديقٍ بين أضلعهِ حقدُ
فللهَ قلبٌ لا يبلُّ عليلهُ وِصالٌ ولا يُلْهِيهِ من حَلّهِ عَقْدُ
يكلّفني أن أطْلُبَ العِزِّ بالقنا وأيْنَ العُلا إنْ لم يُسَاعِدنيَ الجدُّ
أُحِبُّ كما يَهْواهُ رُمحي وَصارمي وَسابغة ٌ زغْفٌ وسابغة ٌ نَهْدُ
فيالكَ منْ قلبٍ توقدَ في الحشا ويالكَ منْ دمعٍ غزيرٍ له مدُّ
وإنْ تظهرِ الأيامُ كلَّ عظيمة ٍ فلي بين أضلاعي لها أسدٌ وردُ
إذا كان لا يمضي الحسامُ ينفسهِ فللضاربِ الماضي بقائمهِ حدُ
وحَوْلي منْ دُونِ الأَنامِ عِصابة ٌ توددها يخفي وأضغانها تبدو
يَسُرُّ الفتى دهْرٌ وقد كانَ ساءَهُ وتَخْدُمُهُ الأَيَّامُ وهو لها عَبْدُ
ولا مالَ إلاّ ما أَفادكَ نَيْلُهُ ثناءٌ ولا مالٌ لمنْ لاله مجدُ
ولا عاشَ إلا منْ يصاحبُ فتية ٌ غَطاريفَ لا يَعْنيهمُ النَّحْسُ والسَّعد
إذا طلبوا إلى الغزو شمروا وإن نُدِبُوا يوْماً إلى غَارَة ٍ جَدّوا
ألاليت شعري هل تبلغني المنى وتلقى بي الأعداء سابحة ٌ تعدو
جوادٌ اذا شقَّ المحافلَ صدرهُ يَرُوحُ إلى ظُعْنِ القَبائلِ أو يغْدو
خفيت على إثر الطريدة ِ في الفلا إذا هاجَتِ الرَّمْضاءُ واختَلَفَ الطَّرْدُ
وَيَصْحُبني من آلِ عَبْسٍ عِصابة ٌ لها شرفٌ بين القبائل يمتد
بَهاليلُ مثلُ الأُسدِ في كلِّ مَوْطِنٍ كأنَّ دمَ الأعداءِ في فمهمْ شهدُ
جازتْ ملماتُ الزَّمانِ حدودها واسْتَفْرغَتْ أيَّامُها مجهُودَها
وقضت علينا بالمنونِ فعوَّضتْ بالكرهِ منْ بيضِ الليالي سُودها
بالله ما بالُ الأَحبَّة ِ أعْرضَتْ عنَّا ورامتْ بالفراقِ صُدودها
رضيتُ مصاحبة َ البلى واستوطنتْ بَعْد البُيُوتِ قُبُورَها ولحُودها
حرصتْ على طولِ البقاءِ وإنما مبدي النفوس أبادها ليعيدَها
عبثتْ بها الأيامُ حتى أوثقت أيدي البِلى تحْتَ التُّرابِ قيودها
فكأنما تلكُ الجسومُ صوارمٌ تحت الحمامِ من اللحودِ غمودها
نَسَجَتْ يَدُ الأَيّامِ منْ أكْفانَها حللاً وألقتْ بينهنّ عقودها
وكسا الرّبيعُ رُبُوعَهَا أَنْوَارَهُ لما سقتها الغادياتُ عهودها
وسرى بها نشرُ النسيم فعطرتْ نفحاتُ أرواحِ الشَّمالِ صَعيدَها
هل عيشة ٌ طابَتْ لنا إلاّ وقد أبْلى الزَّمانُ قديمَها وجديدَها
أو مقلة ٌ ذاقت كراها ليلة ً إلاّ وأعقبتِ الخطوبُ هُجُودَها
أو بنية ٌ للمجدِ شيدَ أساسها إلاّ وقد هَدَمَ القضاءُ وطيدَها
شقّتْ على العَليا وفاة ُ كريمة ٍ شقّتْ عليها المكْرماتُ بُرُودها
وعزيزَة ٍ مفْقودة ٍ قد هوَّنتْ مُهَجُ النّوافلِ بعدها مفقُودَها
ماتتْ ووُسِّدَتِ الفَلاَة َ قتيلة ً يا لهْفَ نفسِي إذْ رأتْ توْسيدَها
يا قيْسُ إنّ صدُورَنا وَقَدتْ بها نارٌ بأَضْلُعنا تَشُبُّ وقودَها
فانهضْ لأخذِ الثاّر غير مقصِّر حتى تُبيد من العداة ِ عديدها
إذا فاضَ دمعي واستهلّ على خدِّي وجاذبني شوقي إلى العلم السّعدي
أذكر قومي ظلمهم لي وبغيهم وقلة َ إنصافي على القربِ والبعدِ
بَنَيْتُ لهمْ بالسَّيفِ مجْداً مُشيّداً فلّما تناهى مجدهمْ هدموا مجدي
يعيبونَ لوني بالسواد وإنما فعالهم بالخبث أسودُ من جلدي
فواذلّ جيراني إذا غبتُ عنهمُ وطالَ المدَى ماذا يلاقونَ من بَعدي
أَتحْسبُ قَيْسٌ أنَّني بعد طردِهمْ أخافُ الأعادي أو أذلَُ من الطَّردِ
وكيفَ يحلَُ الذُلّ قلبي وصارمي إذا اهتزَّ قَلْبُ الضَّدِّ يخْفِقُ كالرَّعْد
متى سلّ في كفِّي بيوم كريهة فلا فَرْقَ ما بيْنَ المشايخ والمُرْدِ
وما الفخرٌ إلاّ أنْ تكونَ عمامتي مكوّرة َ الأطرافِ بالصّارم الهندي
نديميّ إمّا غبتما بعد سكرة ٍ فلا تذكرا أطلالَ سلمى ولاهندِ
ولا تَذْكرا لي غيرَ خَيلٍ مُغيرة ٍ ونقعْ غبارٍ حالك اللّون مسودّ
فإنّ غبارَ الصّافِنات إذا علا نشقتُ لهُ ريحاً ألذَّ منَ النّدّ
وريحانتي رمحي وكاساتُ مجلسي جماجمُ ساداتِ حراصٍ على المجد
ولي منْ حسامي كلّ يوْمٍ على الثَرى نقوشُ دمٍ تغني النَّدامى عن الوردِ
وليْسَ يَعيبُ السَّيفَ إخلاقُ غِمْدِه إذا كانَ في يوم الوغى قاطع الحدّ
فلِلَّهِ دَرِّي كمْ غُبارٍ قطَعْتُهُ على ضامر الجنبين معتدلِ القدّ
وطاعنتُ عنه الخيل حتى تبّددت هزاماً كأسرابِ القطاءِ إلى الوردِ
فزَارة ُ قد هيَجتُم لَيثَ غابة ٍ ولم تفرقوا بين الضلالة ِ والرُّشدِ
فقولوا لِحصْنٍ إنْ تَعانَى عدَاوَتي يبيتُ على نارٍ من الحزنِ والوجدِ
فخْرُ الرِّجالِ سلاسلٌ وَقيُودُ وكذا النساءُ بخانقٌ وعقودُ
سُكْري بهِ لا ما جنى العُنْقودُ
يادهرُ لا تبق عليَّ فقد دنا ما كنتُ أطلبُ قبلَ ذا وأريد
فالقتْلُ لي من بعد عبْلة َ راحَة ٌ والعَيشُ بعد فِراقها منكُودُ
يا عبْلَ! قدْ دنتِ المَنيّة ُ فاندُبي
يا عبلَ! إنْ تَبكي عليَّ فقد بكى صَرْفُ الزَّمانِ عليَّ وهُوَ حَسُودُ
يا عبلَ! إنْ سَفكوا دمي فَفَعائلي في كل يومٍ ذكرهنّ جديد
تَدْعينَ عنْترَ وهوَ عنكِ بعيدُ
ولقد لقيتُ الفُرْسَ يا ابْنَة َ مالكِ وجيوشها قد ضاق عنها البيد
وتموجُ موجَ البحرِ إلا أنَّها لاقتْ أسوداً فوقهنَّ حديد
جاروا فَحَكَّمْنا الصَّوارمَ بيْننا فقَضتْ وأَطرافُ الرماحِ شُهُود
يا عبلَ! كم منْ جَحْفلٍ فرَّقْتُهُ والجوُّ أسودُ والجبالُ تميدُ
فسطا عليَّ الدَّهرُ سطوة َ غادرٍ والدَّهرُ يَبخُلُ تارة ويجُودُ
إذا رشقت قلبي سهامٌ من الصَّدّ وبدلَ قربي حادثُ الدَّهر بالبعد
لبست لها درعاً من الصَّبر مانعاً ولاقَيتُ جَيْشَ الشَّوْقِ مُنْفرداً وحدي
وبتُّ بطَيْفٍ منْكِ يا عبلَ قانِعاً ولو باتَ يسرى في الظَّلام على خدّى
فبالله يا ريحَ الحجازِ تنفَّسي على كَبدٍ حَرَّى تَذُوبُ من الوجْدِ
ويا بَرْقُ إنْ عَرَّضت من جانبِ الحمى فَحَيِّ بني عَبْسٍ على العلم السَّعْدي
وانْ خمدتْ نيرانُ عبلة موهناٌ فكن أنتَ في اكنافها نيّرَ الوقد
وَخَلِّ النّدَى ينْهلُّ فوقَ خِيامِها يُذَكِّرُها أني مُقيمٌ على العَهْدِ
عدِمْتُ اللّقا إنْ كنتُ بعد فِراقها رقدْتُ وما مَثَّلْتُ صورَتها عندي
ومَا شاقَ قَلبي في الدُّجَى غيرُ طائرٍ ينوحُ على غصنٍ رطيب من الرَّند
به مثل ما بي فهو يخفى من الجوى كمَثْل الذي أخفِي ويُبْدي الي أبدي
ألا قاتلَ اللهُ الهوى كم بسيفهِ قتيلُ غرامٍ لا يُوَسّدُ في اللَّحْدِ
أَحْرَقَتْني نارُ الجَوى والبعادِ بَعد فَقْدِ الأَوْطانِ والأَولاد
شابَ رأسي فصارَ أبيض لوناً بعد ما كان حالكاً بالسواد
وتذكرتُ عبلة َ يومَ جاءت لوداعي والهمُّ والوجد باد
وَهي تُذْري من خيفَة ِ البُعْدِ دمْعاً مُستهِلاًّ بلَوْعة ٍ وَسُهاد
قلْتُ كِفِّي الدُّمُوعَ عنْكِ فقلبي ذاب حزناً ولوعتي في ازديادِ
ويحَ هذا الزَّمانِ كيفَ رَماني بسهامٍ صابتْ صميمَ فؤادي
غيرَ أني مثْلُ الحُسام إذا ما زادَ صقلاً جادّ يوم جلادِ
حنكتني نوائبُ الدهر حتى أوقفتني على طريقِ الرشادِ
ولقيتُ الأبطالَ في كل حربٍ وهزمتُ الرجال في كلِّ وادي
وتركتُ الفرسانَ صرعى بطعنٍ منْ سِنانٍ يحْكي رُؤُوس المزاد
وحسامٍ قد كنتُ من عهد شدَّا دٍ قديماً وكانَ منْ عهدِ عادِ
وقهرتُ الملوكَ شرقاً وغرباً وأَبَدْتُ الأَقْرانَ يوْم الطِّراد
قلَّ صبري على فراق غصوبٍ وهْو قد كان عُدَّتي واعتِمادي
وكذا عروة ٌ وميسرة ٌ حا مي حمانَا عِند اصْطدام الجياد
لأَفُكَّنّ أَسْرَهُمْ عن قريبٍ منْ أيادِي الأَعداءِ والحُسَّاد
بين العقيق وبينَ برْقَة ِ ثَهْمَد طللٌ لعبلة َ مستهلُّ المعهدِ
يا مسرحَ الآرام في وادي الحمى هل فيكَ ذو شجنٍ يروحُ ويغتدي
في أَيمَن العَلميْن دَرْسُ مَعالمٍ أوهى بها جلدي وبانَ تجلدِي
منْ كلّ فاتنة ٍ تلفتْ جيدُها مرحاً كسالفة ِ الغزالِ الأغيد
يا عبْلُ كمْ يُشْجَى فُؤَادي بالنَّوى ويرُعني صَوْتُ الغُرابِ الأَسودِ
كيف السُّلوُّ وما سمعتُ حمائماً يَنْدُبْنَ إلاّ كُنْتُ أوَّلَ منْشِدِ
ولقدْ حبستُ الدَّمع لا بخلاً بهِ يوْم الوداعِ على رُسوم المَعهَدِ
وسألتُ طير الدَّوح كم مثلي شجا بأنينهِ وحنينهِ المتردّد
ناديتهُ ومدامعي منهلة ٌ أيْن الخليُّ منَ الشَّجيِّ المُكْمَدِ
لو كنتَ مثلي ما لبثت ملوّناً وهتفتّ في غضن النقا المتأوّد
رَفعوا القبابَ على وُجوهٍ أشْرَقَتْ فيها فغيّبت السهى في الفرقد
واسْتوْقفُوا ماءَ العُيونِ بأعينٍ مَكحولة بالسِّحْر لا بالإثمِدِ
والشمسُ بين مضرَّجِ ومبلجٍ والغُصنُ بين موَشَّحٍ ومقلَّدِ
يطلعنَ بين سوالفٍ ومعاطف وقلائد منْ لؤلوءٍ وزبرجدِ
قالوا اللّقاء غداً بمنْعَرَج اللِّوى واطولَ شَوْقِ المستَهامِ إلى غدِ
وتخالُ أنفاسي إذا ردَّدتها بين الطلول محتْ نقوشَ المبْرد
وتنوفة ٍ مجهولة ٍ قد خضتها بسنان رمحٍ نارهُ لمْ تخمدِ
باكرتها في فتية ٍ عبسية ٍ منْ كلِّ أرْوعَ في الكريهة ِ أصيدِ
وتَرى بها الرَّاياتِ تَخفُقُ والقنا وَتَرى العَجاجَ كمثْل بَحرٍ مُزْبدِ
فهناك تنْظرُ آلُ عَبْسٍ مَوْقفي والخيْلُ تَعثُر بالوشيج الأَمْلدِ
وبوارقُ البيض الرقاقِ لوامعٌ في عارض مثلِ الغمام المرعدِ
وذوابلُ السُّمر الدّقاق كأَنّها تحتَ القتام نُجومُ لَيْلٍ أسوَد
وحوافرُ الخيل العتاق على الصفا مثْلُ الصواعق في قفار الفدْفدِ
باشرْتُ موكبها وخضتُ غُبارَها أطفأتُ جَمرَ لهيبها المتوقِّدِ
وكررتُ والأبطالُ بينَ تصادم وتهاجمٍ وتحزُّبٍ وتشدُّدِ
وفَوارسُ الهيجاءِ بينَ ممانعٍ ومُدافعٍ ومخادعٍ ومُعربدِ
والبيضُ تلمعُ والرِّماح عواسلٌ والقومُ بين مجدَّلٍ ومقيدِ
ومُوسَّدٍ تَحْتَ التُّرابِ وغيرُهُ فوقَ الترابِ يئنُ غير موسَّدِ
والجوُّ أقتمُ والنجومُ مضيئة ٌ والأفقُ مغبرُّ العنانِ الأربدِ
أقحمتُ مهري تحتَ ظلّ عجاجة ٍ بسنان رمحٍ ذابلٍ ومهندِ
رَغَّمتُ أنفَ الحاسِدينَ بسَطْوتي فغدوا لها منْ راكعين وسجَّدِ
إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السعدي طفا بردها حرَّ الصبابة ِ والوجدِ
وذكرني قوماً حفظتُ عهودهمْ فما عرفوا قدري ولا حفظوا عهدي
ولولاَ فتاة ٌ في الخيامِ مُقيمَة ٌ لما اختَرْتُ قربَ الدَّار يوماً على البعدِ
مُهفْهَفة ٌ والسِّحرُ من لَحظاتها إذا كلمتْ ميتاً يقوم منْ اللحدِ
أشارتْ إليها الشمسُ عند غروبها تقُول: إذا اسودَّ الدُّجى فاطْلعي بعدي
وقال لها البدرُ المنيرُ ألا اسفري فإنَّك مثْلي في الكَمال وفي السَّعْدِ
فولتْ حياءً ثم أرختْ لثامها وقد نثرتْ من خدِّها رطبَ الورد
وسلتْ حساماً من سواجي جفونها كسيْفِ أبيها القاطع المرهفِ الحدّ
تُقاتلُ عيناها به وَهْوَ مُغمدٌ ومنْ عجبٍ أن يقطع السيفُ في الغمدِ
مُرنِّحة ُ الأَعطاف مَهْضومة ُ الحَشا منعمة الأطرافِ مائسة القدِّ
يبيتُ فتاتُ المسكِ تحتَ لثامها فيزدادُ منْ أنفاسها أرج الندّ
ويطلعُ ضوء الصبح تحتَ جبينها فيغْشاهُ ليلٌ منْ دجى شَعرها الجَعد
وبين ثناياها إذا ما تبسَّمتْ مديرُ مدامٍ يمزجُ الراحَ بالشَّهد
شكا نَحْرُها منْ عِقدها متظلِّماً فَواحَربا منْ ذلكَ النَّحْر والعقْدِ
فهل تسمح الأيامُ يا ابنة َ مالكٍ بوصلٍ يداوي القلبَ من ألم الصدِّ
سأَحْلُم عنْ قومي ولو سَفكوا دمي وأجرعُ فيكِ الصَّبرَ دونَ الملا وحدي
وحقّكِ أشجاني التباعدُ بعدكم فها أنتمُ أشجاكم البعدُ من بعدي
حَذِرْتُ من البيْن المفرِّق بيْننا وقد كانَ ظنِّي لا أُفارقكمْ جَهدي
فإن عانيت عيني المطايا وركبها فرشتُ لدَى أخْفافها صَفحة َ الخدّ
لعُوبٌ بأَلْبابِ الرّجال كأَنَّها إذا أَسْفَرَتْ بَدْرٌ بدا في المَحَاشِدِ
شَكَتْ سَقَماً كيْما تُعَادَ وما بها سِوَى فَتْرة ِ العيْنَين سقْمٌ لِعائِدِ
منَ البيض لا تلْقاكَ إلاَّ مَصونَة ً وتمْشي كَغُصْنِ البانِ بينَ الولائِدِ
كأَنَّ الثُّريَّا حينَ لاحَتْ عَشيَّة ً على نحرها منظومة ٌ في القلائدِ
منعَّمة الأطرافِ خودٌ كأنها هلالٌ على غصنِ من البانِ مائدِ
حوَى كلَّ حسن في الكواعبِ شخْصها فليسَ بها إلاَّ عيوبُ الحواسدِ
إذا كانَ دمْعي شاهدي كيفَ أجْحَدُ ونارُ اشتياقي في الحشا تتوقَّد
وهيهاتَ يخفى ما اكنُّ من الهوى وثوبُ سقامي كلَّ يومٍ يجدَّدُ
أقاتلُ أشواقي بصبري تجلداً وقلبيَ في قيدِ الغرامِ مقيدَّ
إلى الله أشكُو جَوْرَ قَوْمي وظُلْمَهُمْ إذا لم أجِدْ خِلاً على البُعد يَعْضُدُ
خليليَّ أمسى حبُّ عبلة قاتلي وبأْسِي شديدٌ والحُسامُ مُهَنَّدُ
حرامٌ عليّ النومُ يا ابنة َ مالكٍ ومَنْ فَرْشُهُ جمْرُ الغَضا كيْف يَرْقُدُ
سأندبُ حتى يعلم الطيرُ أنني حزينٌ ويرثي لي الحمامُ المغرِّدُ
وأَلثِمُ أرْضاً أنْتِ فيها مقيمَة ٌ لَعَلَّ لَهيبي مِنْ ثرى الأَرضِ يَبْرُدُ
رَحَلْتِ وقلْبي يا ابْنَة َ العمِّ تائهٌ على أثرِ الأظغانِ للرِّكب ينشدُ
لئنْ تشمتِ الأعداء يا بنتَ مالكٍ فإن ودادي مثلما كانَ يعهدُ
أحوْلي تنفضُ استك مذرويها لتقتلني فها أنا ذا عُمارا
متي ما تَلْقني فَرْدَيْن تَرجُفْ رَوانفُ ألْيَتيْكَ وتسْتَطارا
وسَيفي صارمٌ قَبضتْ عليهِ أشاجعُ لا ترى فيها انتشاراً
وسَيْفِي كالعَقيقَة وهْو كمِعْي سلاحي لا أفَلَّ ولا فُطارا
وكالورق الخفافِ وذاتُ غربِ تَرى فيها عَن الشِّرَع ازْوِرارا
ومُطَّرِّدُ الكُعوبِ أحَصُّ صَدْقٌ تخَالُ سِنانُهُ باللَّيْل نارَا
ستعلم أينا للموتِ أدنى إذا دانَيْتَ لي الأَسَلَ الحِرارا
وللرُّعْيانِ في لُقُحٍ ثَمانٍ تُحادِثُهُنَّ صَرّاً أوْ غِرارا
أقامَ على خسيستهنَّ حتى لقحنَ ونتجَ الأخرَ العشارَا
وقظنَ على لصافَ وهنَّ غلب تَرنُّ متُونُها ليلاً ظُؤَارا
ومنْجُوبٌ له مِنهنَّ صَرْعٌ يميلُ إذا عدلت به الشوَّارا
أَقلُّ عليكَ ضَرّاً منْ قريحٍ إذا أصحابه دفروهُ سارَا
وخيْلٍ قد زَحَفْتُ لها بخيْل عليها الأُسْدُ تهْتَصِرُ اهْتصارا
ومنْ يكُ سائلاً عني فإني وجروة َ لا ترودُ ولا تعارُ
مُقرَّبة الشّتاءِ ولا تراها وراءِ الحيَّ يتبعها المهارُ
لها بالصَّيف أصبرَة ٌ وجُلٌّ وستٌ منْ كرائمها غزارُ
ألاَ أبلغْ بني العشراءِ عني علانية ً فقد ذهب السرارُ
قتلْتُ سرَاتَكمْ وخَسلتُ مِنْكمْ خسيلاً مثلَ ما خُسل الوبار
فَلم يكُ حقُّكمْ أنْ تشْتُمونا بني العشراءِ إذْ جدَّ الفخارُ
وَيَمْنَعُنَا منْ كلِّ ثَغْرٍ نخافُهُ أَقَبُّ كَسِرْحانِ الأَباءَة ِ ضامرُ
وكلُّ سَبوحٍ في الغُبارِ كأَنها إذا اغتسلتْ بالماءِ فتخاءُ كاسرُ
أطْوي فيافي الفلاَ واللَّيلُ معْتكِرُ وأقطعُ البيدَ والرَّمضاءُ تَستعرُ
ولا أرى مؤنِساً غيرَ الحسام وإنْ قلَّ الأَعادِي غدَاة َ الرَّوع أَوْ كَثُروا
فَحاذِري يا سباعَ البَّرِّ منْ رجلٍ إذا انتضى سيفهُ لا ينفعُ الحذرُ
ورافِقيني تَريْ هاماً مفلَّقة ً والطيْرَ عاكِفة ً تُمسي وتَبْتكرُ
ما خَالِدٌ بعدما قدْ سِرْتُ طَالبَهُ بخالدٍ لاَ ولاَ الجيداءُ تفتخرُ
ولاَ ديارهُمُ بالأَهل آنِسة ٌ يأوي الغرابُ بها والذئبُ والنمرُ
يا عبلَ يُهْنِئْكِ ما يأْتيكِ منْ نِعَمٍ إذا رماني على أعدائكِ القدر
يا مَنْ رَمتْ مهْجتي من نَبْل مُقلتِها بأسهمٍ قاتلاتٍ برؤُها عسرُ
نعيمُ وصْلِكِ جنَّاتٌ مزَخْرفة ٌ ونارُ هجْركِ لا تُبقي ولا تَذَرُ
سقتكِ يا علم السعديَّ غادية ٌ منَ السحابِ وروى ربعكِ المطرُ
كم ليلة ٍ قد قطعنا فيكِ صالحة ٍ رغيدة ٍ صفوها ما شابهُ كدرُ
مع فتية ٍ تتعاطى الكاس مترعة ً منْ خَمرة ٍ كلَهيبِ النَّار تَزْدهر
تُدِيرُها منْ بناتِ العُربِ جارية ٌ رشيقة ُ القدِّ في أجفانها حور
إنْ عِشْتُ فهيَ التي ما عِشْتُ مالكتي وإنْ أمتْ فالليالي شأنها العبر
جفُونُ العذَارى منْ خِلال البرَاقع أحدُّ من البيضِ الرِّقاق القواطعِ
إذا جرَّدتْ ذلَّ الشُّجاعُ وأصبحتْ محاجرهُ قرْحى بفَيض المدَامِعِ
سقى اللهُ عمِّي من يدِ الموتِ جرعة ً وشلَّتْ يدَاهُ بعد قَطْعِ الأَصابعِ
كما قادَ مثْلي بالمحالِ إلى الرَّدى وعلّقَ آمالي بذَيْل المطامع
لقد ودّعتني عبلة ٌ يوْم بَيْنها وداعَ يقين أنني غير راجع
وناحتْ وقالت: كيف تُصْبح بعدَنا إذا غبتَ عنَّا في القفار الشواسع
وحقّكِ لاحاولتُ في الدهر سلوة ً ولا غيّرتني عن هواكِ مطامعي
فكنْ واثقاً منّي بحسنِ مودّة ٍ وعِشْ ناعماً في غبطة ٍ غير جازع
فقلْتُ لها: يا عَبلُ إني مسافرٌ ولو عَرَضَتْ دوني حُدُودُ القواطعِ
خلقنا لهذا الحبِّ من قبل يومنا فما يدخُل التنفيذُ فيه مسامعي
أيا علم السّعدي هل أنا راجعٌ وأنظرُ في قطريك زهرَ الأراجع
وتُبصِرُ عَيْني الرَّبوَتيْن وحاجراً وسكانَ ذاكَ الجزْعِ بين المَراتع
وتجمعنا أرضُ الشربَّة واللوى ونَرتَع في أكْنافِ تلكَ المرابع
فيا نسماتِ البانِ بالله خبِّري عُبَيلَة َ عنْ رَحلي بأَيِّ المَواضِعِ
ويا بَرْقُ بلّغْها الغدَاة َ تحيَّتي وحيِّ دياري في الحمى ومَضاجعي
أيا صادحاتِ الأيكِ إن متُّ فاندُبي على تُرْبتي بين الطُّيور السَّواجع
ونُوحي على من مات ظلماً ولم ينلْ سِوى البُعدِ عن أحْبابِهِ والفَجائع
ويا خَيْلُ فابكي فارساً كان يلْتقي صدور المنايا في غبار المعامع
فأْمْسى بعيداً في غرامٍ وذِلَّة ٍ وقيدٍ ثقيلٍ من قيودِ التوابع
ولَسْتُ بباكٍ إنْ أتَتْني منيَّتي ولكنَّني أهْفو فتَجري مدَامِعي
وليس بفَخْر وصْفُ بأْسي وشِدّتي وقد شاع ذكري في جميع المجامع
بحقّ الهوَى لا تَعْذِلُونيَ واقْصِرُوا عن اللّوْم إنّ اللّوم ليسَ بنافع
وكيفَ أُطيقُ الصَّبْرَ عمَّنْ أحبُّه وقد أضرمتْ نار الهوى في أضالعي
يا أَبا اليقْظانِ أَغْواكَ الطَّمعْ سَوْفَ تلْقى فارساً لا يندَفِعْ
زرتني تطلبُ مني غفلة ً زورة َ الذئبِ على الشاة ِ رتع
يا أَبا اليَقْظان كم صيْدٍ نجا خالي البالِ وصيادٍ وقع
انْ تكنْ تشكو
الخميس مارس 08, 2012 3:29 am من طرف ابوحسين
» ديوان عنتره بن شداد الجزء الاول
الخميس مارس 08, 2012 3:28 am من طرف ابوحسين
» عابرة مشتاق للبلد
الإثنين فبراير 27, 2012 2:31 am من طرف ابوحسين
» لحظة شعور وبركان الحنين
الأحد فبراير 26, 2012 5:28 pm من طرف ابوحسين
» شاعر العابرات محمداحمد علي الحبيب
الأحد فبراير 26, 2012 5:19 pm من طرف ابوحسين
» مخاض الشعر إن يأتي صبيا للاخ الشاعر محمد المظلي
الخميس أغسطس 18, 2011 8:31 am من طرف ابوحسين
» إبن عبقر للاخ الشاعر محمد المظلي
الخميس أغسطس 18, 2011 8:29 am من طرف ابوحسين
» ردا على الشاعرة روضة الحاج للاخ الشاعر محمد المظلي
الخميس أغسطس 18, 2011 8:26 am من طرف ابوحسين
» فريضتي للاخ الشاعر محمد المظلي
الخميس أغسطس 18, 2011 8:23 am من طرف ابوحسين